ظلت الثقافة الشعبية العربية مقصاة من دائرة الاهتمام الأكاديمي والعلمي. ورغم بعض المجهودات المبذولة هنا وهناك في الوطن العربي فلا يزال المجال واسعا للعمل والبحث. إن جزءا كبيرا من هذا التراث ما زال شفويا ، والذاكرة الشعبية الجماعية باتت كليلة مع الزمن والتطور. كما أن جزءا من هذا التراث الذي تم جمعه وتدوينه لا يزال حبيس رفوف المكتبات الجامعية .
ومع ذلك فلا تزال فسحة للعمل لإنقاذ ما بقي أو تبقى إذا صح العزم على النهوض بهذه الثقافة الشعبية ، وتضافرت الجهود لجمعها وتدوينها ، وتم التخطيط لطبعها وترقيمها ، وارتبطت النية بالعمل بهدف نقلها من الغياب إلى الحضور.
إن التطور الذي حصل على مستوى التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل يتيح لنا إمكانات أكثر لتحقيق المقاصد المسجلة ، لأنه يسمح لنا في آن ب:
أ . تطوير عمل المشتغلين بالثقافة الشعبية عن طريق استثمار الوسائط المتعددة (الصوت ـ الصورة ) في تسجيل وتقييد وحفظ هذا التراث وتخزينه. لقد باتت هذه الوسائط متوفرة ولا تستدعي خبرة خاصة . ويمكن لأي كان أن يوظفها في التقييد والتخزين
ب. فتح مواقع ومدونات رسمية أو خاصة لتقديم هذا التراث ، في مختلف تجلياته، وإشراك الجميع في إغناء الرصيد وإثرائه ، من جهة . ومن جهة أخرى ، جعله قابلا للتداول والمعاينة ، على أوسع نطاق.
ومع التطور والتراكم يمكن الارتقاء إلى مستوى أعلى من الإنجاز الرقمي لتقديم مكانز وموسوعات ترابطية ، ومتاحف تفاعلية،،، إسوة بما نجده في البلاد المهتمة بتراثها المادي واللامادي.
لقد أصبحت عملية ترقيم الثقافة الشعبية العربية القديمة ، والمتصلة بالأقطار العربية ، وبمختلف المناطق والأقاليم داخلها ، ضرورة ملحة ومستعجلة . أليس غريبا ، على سبيل المثال ، أن نجد مواقع بالإنجليزية تضم كل النسخ من الليالي العربية ، ولا نجد ذلك بالعربية ؟
إن عملية الترقيم يمكن أن يقوم بها المواطن العادي ، وفعلا بدأنا نجد بعض هواة الغناء الشعبي في المغرب مثلا يقدم على إنشاء موقع يجمع فيه كل الأغاني الشعبية الموجودة على أسطوانات قديمة . وبالإرادة والعزم ، تأتى له جمع المئات من هذه الأغاني التي لا توجد حتى في أرشيف الإذاعي الوطنية ؟ كما يمكن أن يقوم بهذا الترقيم المثقف والأكاديمي . كما يمكن أن يتم هذا العمل بشكل فردي أو جماعي . وفي الحالتين معا ، يمكن إشراك الجميع في التطوير وتحقيق التراكم.
لم نستغل الطباعة في تدوين وطبع جزء هام من الثقافة الشعبية العربية . فلتكن الرقامة مناسبة لتدارك ما فات ، وللتخطيط لما هو آت . وسنتبين أننا أضعنا الزمن في عدم العناية بجزء من ذاكرتنا الجماعية ، وأننا أمام تراث غني يمكن أن نستفيد منه ، ونفيد به الإنسانية جمعاء لأن الثقافة الشعبية تعبير صادق وعفوي عن الإنسان في أي زمان ومكان…