” العرب ” القطرية.
إعداد :سعيدة شريف
1- تم أخيرا تكريمك بسوريا، كما تم الاحتفاء بك في العديد من اللقاءات والتظاهرات الثقافية العربية، فكيف تنظر لهذا الاهتمام والاعتراف من خارج المغرب؟ وألا يحز في نفسك الوضع الثقافي داخل المغرب وإهمال الأسماء الوازنة؟
جواب : قالوا قديما إن زامر الحي لا يطرب . وهذا القول صحيح جدا لأن زامر الحي عندنا ليس مطربا فقط ، ولكنه أيضا موئل شك في قيمة ما يفعل ، وإذا لم يرجموه بالطماطم فليحمد الله على نعمة انتمائه إلى وطن. أنا لا أهتم كثيرا لذلك ، ولا أسأل شيئا. والتكريم الذي أشرت إليه في سوريا وقبله في تونس وأخيرا التقدير الذي لمسته في القاهرة حيث كنت عضو لجنة تحكيم جائزة القاهرة ورئيس أول جلسة في الملتقى كل ذلك يكشف، وغيره مما ألقاه في مختلف البلاد العربية ، أن هناك تقديرا للمجهودات المبذولة . وفي المغرب أيضا ، كي لا أكون منكرا ، أحظى بتقدير الزملاء المثقفين وطلبتي ، وهذا أقصى ما أطلب . لكن ما يحز في نفسي كثيرا هو عدم قيام وسائل الإعلام المغربية بدورها في التعريف بكتابنا وفنانينا وحتى رياضيينا . ألا ترين أن كل هؤلاء لا يصبحون موضع اهتمام إلا بعد أن يسلبوا الاعتراف بهم خارج المغرب . فهل ليست عندنا كفاءات ولا وسائل للتعرف على كل هؤلاء والتعريف بهم داخل الوطن ؟ هذا هو ما يمكن أن نسميه الجحود والإنكار.
2- بعد سنوات من الاشتغال، هل استطاع النقد العربي برأيك امتلاك تصور نقدي يلائم خصوصية النص العربي، أم أنه ما زال يتصارع مع المناهج الغربية ويبحث عن صياغة عربية لها؟
جواب : يتطور النقد العربي باستمرار . لكن تطوره بطيء لأنه ينبني على مجهودات فردية . والجهد الفردي مهما كان تميزه يظل محدودا . قلت هناك استمرارية لأن مجهودات المشتغلين بالنقد متواصلة . أعاين ذلك فيما يظهر بين الفينة والأخرى من مقالات، وفيما يصلني من دراسات للتحكيم . وفي كل ذلك يبدو أن هناك محاولات لامتلاك تصور نقدي منسجم ومتكامل . ومع الزمن يمكن أن يتحقق ذلك . لذلك يمكن أن أقول إن العمل ما يزال مطلوبا للارتقاء بالنقد العربي إلى المستوى العالمي ، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بهضم الإنجازات الأدبية المتقدمة على المستوى الدولي والعمل على الإضافة إليها بالاشتغال بالنص العربي والأجنبي معا . في هذه الحالة يمكننا الحديث عن تصور نقدي عربي محدد السمات والملامح .
3- وما مدى تمثل النقاد العرب للمناهج البنيوية ولأدواتها؟ وما مدى تطبيقها على النص الروائي العربي؟
جواب : كان الحماس للبنيوية ضد المناهج التي كانت سائدة في العالم العربي قبل الثمانينيات إيجابيا وسلبيا في آن . لقد عمل من جهة على تجديد دماء النقد العربي بعدة اصطلاحية جديدة وبرؤية جديدة للنص الأدبي . لكنه ، كان من جهة ثانية سلبيا ، لأن التعامل مع البنيوية تم بطريقة غير ملائمة لأنه ، حسب تقديري ، لم يتم تمثل روحها العلمية التي كانت في خلفيتها الرئيسية . ولذلك ساد الانتقاء في التعامل مع إنجازاتها بدون التمييز بين الاختلافات المتحققة في مجمل إجراءاتها . يبدو ذلك في كيفيات تحليل النصوص الروائية العربية حيث كان يتم المزج بين عدة تصورات بدون وعي معرفي بالفروقات الحاصلة بينها ، كأن يوظف الناقد مفاهيم من السيميائيات الحكائية ، وأخرى من السرديات ، وأخرى من جمالية التلقي أو من الباختينية ، بدون تصور واضح أو قصد مضبوط ، فلا يتحقق الانسجام في التحليل .
لقد كان التعامل مع البنيوية ، وكأنها شيء واحد . هذا هو المأخذ الأساس الذي أسجله على طريقة تعاملنا معها . في حين نجد البنيوية جاءت كرؤية عامة للوجود النصي ، وبمقتضى هذه الرؤية تم التعامل مع النص في ذاته وذلك انطلاقا من إمكان فهم النص فهما علميا. فكان أن برز علمان ينطلق كل واحد منهما من طريقة مختلفة في تحقيق هذا الفهم العلمي للنص . هذان العلمان هما السرديات والشعريات التي تعنى بالخطاب الأدبي كطريقة للتعبير ( الشكل )، والسيميائيات الأدبية التي تهتم بالعلامة الأدبية من حيث المعنى أو الدلالة ( المحتوى ) . وولد كل منهما مصطلحاته وإجراءاته الخاصة .
غياب التمييز بين هذين العلمين جعلنا نتعامل مع البنيوية وكأنها نظرية أدبية يمكن أن يستلهمها الناقد الأدبي ، وليست علوما ينبغي أن ندرك الفروقات بينها ، وننطلق منها باعتبارها مشاريع علمية . وهذا هو السبب الذي جعل النقاد العرب ، بعد مدة من الزمان صاروا يتحدثون عن ” ما بعد البنيوية ” ، ويطالبون بضرورة تجاوزها إلى ” نظريات أدبية ” جديدة . في الوقت الذي نجد فيه هذه النظريات الجديدة تطويرا للبنيوية وليس تجاوزا لها .
وبسبب الجهد الذي بذلناه في إطار تعاملنا الخاص مع إنجازات البنيوية صار بالإمكان الآن الحديث عن السرديات ، ومن خلال مجهودات مفتاح وبنكراد وسواهما صار من الممكن الحديث عن السيميائيات . وكلاهما يتطور الآن في المجهودات الأدبية التي نوهت بها أعلاه . وهذا التطوير ما يزال يستلزم الشيء الكثير لإعادة النظر فيهما باعتبارها علمين أدبيين ، وليسا نقدا أدبيا بالمعنى التقليدي للكلمة .
4- على الرغم من المجهودات التي بذلتها على مستوى النقد العربي إلى جانب نقاد مغاربة (محمد مفتاح وسعيد بنكراد…)، في تطبيق المنهج البنيوي وتوليد مصطلحات جديدة، فما زال هناك من يعيب عليك إثارة نوع من الفوضى والاضطراب في المصطلحات السردية العربية، ما ردك؟
جواب :
إنني أحترم كل وجهات النظر حول مشروعي والمصطلحات التي أوظف وأجتهد في توليدها أو تعريبها . أما الفوضى الاصطلاحية فالمسؤول عنها ، في الحقيقة ، هو من يوظف هذه المصطلحات بدون فهم عميق أو دقيق ، ولا يميز بين الفروقات البسيطة بينها . أما من يبذل مجهودا كبيرا لمعرفة جذور المفاهيم ومختلف دلالاتها فلا يمكن أن يكون مسؤولا عن الاضطراب المصطلحي . إني في مختلف كتبي أعمل جاهدا على تدقيق الفروقات بين المصطلحات وتفسير خلفياتها وحقولها الدلالية . فكلمة ” خطاب ” مثلا ، شأنها في ذلك شأن كل المصطلحات ، متعددة الدلالات ، وأنا أعمل على تتبع مختلف دلالاتها بهدف التدقيق لا الاضطراب . وقس على ذلك . إني حريص على الدقة والملاءمة . كما أنني في تعريبي لمصطلحات أجنبية حريص على جمالية المصطلح وعروبته ، فلا أترجم حرفيا كما يفعل العديدون بالاستعانة بالمعاجم المزدوجة . فمصطلح ” المُناص” مثلا ، الذي يترجم عادة بالموازي النصي ، صغته من من صيغة ” فاعل ” الدالة على الاشتراك ، فكان توليد فعل ” ناصَّ ” ، ومنه جاء المناص والمناصات وكل ما يرتبط بها. وانتشر الآن هذا المفهوم وصار استعمال ” المُناصات ” جاريا . ويمكن قول الشيء نفسه عن ” السرديات ” . فهناك من يقول ” السردية ” أو علم السرد أو السردانية أو السردلوجيا ،،، كترجمة ل ” Narratology ” . لكن مصطلح ” السرديات ” الذي انتشر الآن هو أكثر جمالية ومحافظة على العربية . إذ نحتت هذا المصطلح من ” السرد ” و”يات ” الدالة في اللغة العربية على ” العلم ” أو المبحث الدقيق كما فعل الفلاسفة العرب القدامى الذين كانوا يستعملون الرياضيات والإلهيات والأخلاقيات والطبيعيات ،،،
ولا يتسع المجال لذكر المزيد من الأمثلة . وأنا ، بالمناسبة ، بصدد إعداد معجم للسرديات ، منذ مدة طويلة ، ولا ينقص منه ، حاليا ، إلا ما يتصل بالمفاهيم السردية التي تتعلق بتحليل السرد الرقمي . وهذا دليل آخر للمنكرين أن السرديات متطورة ، وأن لها آفاقا واسعة ، حيث صار بالإمكان ، الآن ، الحديث عما أسميه ب”السرديات التفاعلية ” ، وهي السرديات التي تعنى بالسرد الرقمي .
5- وهل من السهل توليد مصطلحات جديدة في خضم التعقيد المصطلحي الذي تعرفه الساحة النقدية العربية؟
جواب : إن توليد المصطلحات ليس رغبة شخصية أو نتاج نزوة ذاتية . إنه وليد صيرورة معرفية ، إلى درجة أن جيل دولوز يرى أن الفلسفة ليست سوى توليد المفاهيم . ألم يعلم الله آدم الأسماء كلها ؟ وخاطب الملائكة بقوله تعالى : ” ÎTqä«Î6/Rr& Ïä!$yJór’Î/ ÏäIwàs¯»yd bÎ) öNçFZä. tûüÏ%Ï»|¹ ” ؟ إن العديد من الأشياء موجودة في العالم الخارجي ، لكننا لا نولد لها مصطلحا ، أي نعطيها اسما دالا ، إلا بعد معرفتنا الدقيقة بها . فالتناص ، كممارسة نصية ، مثلا ، كان موجودا أبدا . لكن ظهور هذا المصطلح لم يتبلور إلا مؤخرا فكان مدخلا على ” تعرفنا ” على كل العلاقات النصية التي تتحقق داخل أي نص . فكان هذا المفهوم استيعابا وتدقيقا وتطويرا واختزالا لكل المفاهيم التي استعملت في التراث العربي والإنساني مثل : السرقة ، والأخذ والاقتباس ،،، وعندما بدأ هذا المفهوم يوظف في اللغة العربية قوبل في البداية بالتندر والاستنكار في المجالس والمنتديات ، واستعملت كلمة ” التلاص ” من اللصوصية إمعانا في التندر والسخرية . والآن صار هذا المفهوم متداولا وجزءا من اللغة العربية التي أرى أنها تغتني بدخول مصطلحات ومفاهيم جديدة إليها . ويمكن قول الشيء نفسه عن كل المفاهيم التي تظهر في مختلف الحقول والمعارف . لننظر مثلا مفهوم ” العولمة ” وما أثاره منذ ظهوره إلى الآن ؟
6- طموحك كما سبق وصرحت هو خلق حوار نقدي عربي، فهل تمكنت من إرساء قواعد لهذا الحوار أم ما زالت هناك بعض العراقيل تقف في طريقك؟
جواب : أظن أن هذا الحوار بدأ يأخذ منذ الثمانينيات أبعادا غير تلك التي كان عليها قبل ذلك ، وذلك بناء على الوعي بأهميته وضرورته . يأخذ هذا الحوار أشكالا متعددة ، فهو من جهة مع النقد الغربي ، ومن جهة ثانية مع التراث النقدي العربي ، وثالثا بين مختلف مكونات المجتمع العربي شرقيه وغربيه . أما مع الغرب فما يزال متوقفا عند حدود الاستقبال ، وما تزال هناك عراقيل تحول دون التطور في إنجازه . وأهم هذه العراقيل يتمثل في ضعف المواكبة للمستجدات . أما مع التراث العربي ، فلم يبق حكرا على ” أنصار القديم ” الذي كانوا يرونه قلعتهم العتيدة ، إذ صار ” المحدثون ” يعودون إليهم ويستفيدون منه ويشتغلون بنصوصه ، وما يزال هناك الشيء الكثير الذي ينبغي القيام به حيال تراثنا الثقافي والمعرفي . أما الحوار بين المشرق العربي ومغربه على المستوى النقدي فمتواصل . فهناك متابعة جيدة لما يصدر هنا وهناك . كما أن هناك استفادة وتطوير لمختلف المجهودات العربية .
7- بعد إصدارك للعديد من الكتابات النقدية واشتغالك على السرد هل يمكن الحديث اليوم عن منهجية خاصة بالأستاذ سعيد يقطين، أم عن منهجية مغربية متكاملة؟
جواب : إن المنهجية الخاصة التي أشتغل بها جزء من منهجية مغربية وعربية وإنسانية ، وأعمل جاهدا على تطويرها من خلال مختلف أعمالي أو أعمال الذين أشتغل معهم بطريقة مباشرة مثل طلبتي الذين أشرف على أطروحاتهم ، أو بكيفية ضمنية من خلال التفاعل مع مختلف المشتغلين في الحقل الأدبي المغربي أو العربي .
8- بالنظر إلى الدور الذي لعبته الجامعة المغربية في ترسيخ الدرس الأدبي والنقدي في السنوات الماضية، هل يمكن اليوم، مع التحولات ونظام الإصلاح، الحديث عن إسهامات جامعية جديدة في مجال النقد؟
جواب : الأمر مختلف بين النظام القديم والجديد . فالأول وليد صيرورة ارتبطت بتأسيس الجامعة في المغرب ، وكانت الظروف والملابسات المحيطة مختلفة عما هي عليه الآن . إن حجم التحولات التي يشهدها العصر ، وخاصة مع تطور التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل يجعل عمل الناقد مختلفا عن العمل الذي كان يضطلع به في فترات سابقة . ولا أرى الجامعة المغربية أو العربية مؤهلة للتلاؤم معه راهنا . لقد فكرت منذ مدة في إعداد ماستر حول الأدب والتكنولوجيا ، وظهرت لي صعوبة ذلك لغياب مشتغلين بالأدب لهم هموم معلومياتية . لذلك فأنا أدفع طلبة ” الإجازة ” للاشتغال بموضوعات حول الثقافة العربية والرقميات منذ سنة 2000 ,وأرى أن هذا الجيل من الطلبة هو الذي يمكن أن يكون رافدا لجعل إسهامات الجامعة مهما على المستوى النقدي . وإلا ففي غياب المواكبة للمستجدات التي تتحقق في العالم من حولنا ، وخاصة باللغة الإنجليزية ، أرى من الصعوبة بمكان في الزمن المنظور أن تتغير دور الجامعة على المستوى الأدبي والنقدي .
9- اشتغلت على السير الشعبية العربية وعلى النصوص الروائية باستثناء الشعر، فلماذا أقصيت الشعر من اهتمامك؟
جواب : بدأت حياتي الأدبية بكتابة الشعر ، وأنجزت بحثي لنيل الإجازة حول الشعر المغربي في الستينيات ، وأنا أحب الشعر وأطالعه باستمرار . غير أن عدم اهتمامي به على المستوى النقدي منذ أن انخرطت في السرد جاء بناء على تقديري أن للشعر مناصرين كثيرين بينما الرواية كان المشتغلون بها قلة . فأردت الانخراط أولا في تحليل الرواية ، وبعد ذلك أعود إلى الشعر . عندما تبلور لدي مشروعي الذي اشتغلت به ، ذهبت إلى التراث السردي العربي مدافعا على أن هناك ديوانان عند العرب هو السرد أو الخبر والشعر . ووجدت نفسي منهمكا في السرد بهدف بلورة منهجية متكاملة بصدده . وأذكر أننا عندما كنا في تكوين المكونين وكنت وقتها قد انغمست في التحليل الروائي ، ناقشت مع زميلي محمد الماكَري رحمه الله ومحمد خطابي ، وهما يشتغلان بالشعر أن يعملا على تحديد ” الخطاب الشعري ” كما كنت بصدد الفعل بخصوص ” الخطاب الروائي ” وذلك بالانطلاق من تحديد ” شعرية ” الشعر ، وذلك بهدف تشكيل ” شعريات ” للشعر العربي . لكن ذلك لم يتحقق . لست قادرا الآن على هذا العمل التأسيسي ، ولكني أفكر منذ مدة على الاهتمام بالشعر ، ولكن من خلال بعده السردي . وأتمنى أن يتحقق لي ، يوما ما ، إنجاز كتاب عن ” الشعر والسرد في التراث العربي” .
10-متى تبدأ وتنتهي مسؤولية الناقد؟ وهل من الضروري أن يعمل اليوم على تشجيع الكتابات الضحلة؟
جواب : هذا سؤال هام لأن له أبعادا أخلاقية ومعرفية في آن . تبدأ مسؤولية الناقد عندما يستشعر أنه يقوم بوظيفة ثقافية وهو ينشغل بالنص الأدبي . وهذه الوظيفة تتيح له إمكانية الاضطلاع بها على النحو الأمثل كلما رأى أنه يقوم بها خدمة للقيم الفنية والجمالية التي يدافع عنها للارتقاء بمستوى المتلقي نحو الأحسن .وتنتهي متى قام بها بالصورة التي يمكننا من خلالها تقييم مدى قدرتها على تجسيد تلك القيم بالكيفية الملائمة . أما تشجيعه للكتابات الضحلة فلا يدخل في قيامه بالوظيفة المشار إليها . قد يعمل على تشجيع بعض المؤهلات الإبداعية إذا ما كان هذا التشجيع يفسح لها المجال للاستمرار . لكن هذا لا يمكن أن يتكرر مرات عدة ، ولا سيما إذا ما كانت تلك الموهبة التي شجعها في البداية لم تتطور على النحو الذي كان يتصور .
11-في ظل المتغيرات التكنولوجية والمعرفية السائدة اليوم، هل يمكن الحديث عن أدب رقمي أو عن كتابة رقمية تفاعلية؟
جواب : فعلا ، لقد أدى تطورالتكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل إلى تطوير المجال الإبداعي لأنها مكنت المبدعين الذين تفاعلوا معها بشكل حيوي إلى استثمار الإمكانات الرقمية في المجال الإبداعي . ولقد صرنا منذ الثمانينيات من القرن الماضي أمام إمكانية الحديث عن أدب رقمي وكتابة رقمية . هذا الأدب الجديد كانت له إرهاصات سابقة على هذه الفترة وهو جاء فعلا لتطويرها وجعلها متلائمة مع تقدمه الرقميات بصفة عامة . وفي أمريكا وكندا وأستراليا ، وبشكل أقل في أوربا وخاصة في فرنسا قطع هذا الإنتاج مراحل عديدة ، وصارت لهذا الإبداع تجارب متنوعة ، وتصورات نظرية ما تزال تجتهد لمواكبة هذا المنتوج الذي يستفز على البحث والسؤال النظري والمعرفي والاجتماعي .
12-وما هي التحديات التي ستطرحها الكتابة الرقمية التفاعلية على النقاد العرب؟
جواب : رغم أن الإبداع الرقمي العربي ما يزال في بداياته فعلى النقد العربي أن يعمل على تأهيل نفسه نظريا وتطبيقيا ليتمكن من التجاوب والتفاعل الإيجابي مع هذه التجربة الإبداعية الجديدة . ولقد بينت في كتابيَّ : الأدب والسلطة والمؤسسة وكذا في “من النص إلى النص المترابط ” أهمية تجديد النقد العربي لأدواته وإجراءاته ليسهم بدوره في النهوض بما أسميه ب” الوعي الرقمي ” العربي .ولقد عملت في كتاب سيصدر قريبا على إبراز أهمية انخراط النقاد العرب في متابعة هذه التجربة الجديدة ، والعمل على تجديد ثقافتهم النقدية .
إن الكتابة الرقمية تطرح تحديات عديدة على النقد العربي . ولعل أهم هذه التحديات يكمن في ضرورة تجاوز النقد لما تراكم لديه من تراث نقدي مؤسس على المعرفة ” اللغوية ” فقط ، إذ عليه الانفتاح على أشكال تعبيرية عديدة لم يلتفت إليها سابقا مثل الصورة . وعليه التعامل مع مختلف ” العلامات ” سواء كانت سمعية أو بصرية لأن الكتابة الرقمية لا تقف عند حد التعامل بواسطة اللغة المكتوبة فقط . إنها تتعدى ذلك إلى توظيف علامات متعددة ، وعلى الناقد أن يتلاءم مع هذا البعد الجديد في الإبداع . هذا إلى جانب تملكه لعلوم جديدة مثل المعلوميات والكتابة البرمجية وتقنيات النص المترابط ، هذا إلى جانب الرصيد النقدي القديم الذي يجب أنيرهن ليتلاءم مع هذا الإبداع الرقمي .
13-تنتمي إلى اتحاد كتاب الانترنت العرب، فما هي الإضافة التي يقدمها هذا الاتحاد للكتاب في ظل كساد الإطارات التقليدية؟
جواب : لم أعارض انتمائي لاتحاد كتاب الإنترنيت العرب ، ولم أتحمس له في الوقت ذاته . ورغم الاتصال المبكر بي للانخراط فيه لم أبد أي اعتراض بهدف تشجيع المبادرة رغم عدم اقتناعي لأني كنت أرى أن هذا التأسيس سابق لأوانه . وفعلا عمل محمد سناجلة الشيء الكثير محاولا فرض الاهتمام بكل ما هو رقمي . ولقد نجح في ضم أكبر عدد من الكتاب . وفي آخر لقاء بيننا على هامش ملتقى الرواية الرابع بالقاهرة ، وبحضور زهور كَرام وأحمد فضل شبلول ، صارحت الجميع بأني لست مع فكرة اتحاد كتاب العرب للإنترنيت لأنه حاليا ليس سوى ” تجمع ” لكتاب ” ورقيين ” . وليس للعديد منهم ما يقوله أو يضيفه للإبداع الرقمي العربي الممكن . وأخبرتهم عن تجربة “ألير ” الفرنسية التي وجدت نفسها مع التطور يصدر بعض منظريها بيانا يتوجه به إلى أعضاء المجموعة يقول فيه بصراحة إننا لا نرحب إلا بالكتاب الرقميين . أما الذين لا علاقة لهم بالكتابة الرقمية فلا مكان لهم بيننا . إن هذا اختيار إبداعي . كانت هذه الخلفية في ذهني لذلك لم أعارض تجربة كتاب الإنترنيت العرب ، وقلت لتكن فضاء للتأمل والعمل وتسهيل عملية الولادة الرقمية العربية . ولا يمكنني سوى التنويه بعمل محمد سناجلة وحماسه للمشروع ، وكذلك لباقي الأعضاء العاملين والمتحمسين .
14-ما هي الأشياء التي تشتغل عليها حاليا؟ وهل لديك كتاب أو دراسة قيد الطبع؟
جواب : أشتغل حاليا في كتاب ثالث حول الأدب الرقمي . وسيأتي هذا الكتاب بعد كتاب ثان هو قيد الطبع وسيصدر قريبا عن المركز الثقافي العربي تحت عنوان ” النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية : نحو كتابة رقمية عربية ” . وهذان الكتابان امتداد لكتابي : من النص إلى النص المترابط الذي هو بمثابة الجزء الأول في هذا المشروع. وأتمنى بعد إنهاء هذا الكتاب الرجوع إلى الرواية العربية والسرد العربي القديم والسيرة الشعبية والأدب المغربي والسرديات بصفة عامة ، وترهين كل المشاريع الأدبية التي اشتغلت بها منذ مدة ، وأوقفتها للاشتغال بالرقميات الأدبية تحفيزا للتفكير والعمل وتجديدا للفكر النقدي والثقافي العربي .