حاوره : محمود البعلاو/ دمشق
الثلاثاء 7/7/2009
د. سعيد يقطين ،أديب وناقد ،وأستاذ جامعي ،من مواليد الدار البيضاء – المغرب 1955 م دكتوراه دولة في الأدب من جامعة الملك محمد الخامس ،وأستاذ التعليم العالي بكلية الآداب بجامعة الرباط ورئيس قسم اللغة العربية فيها ،الكاتب العام لرابطة أدباء المغرب ،والمشرف على روايات الزمن ..التقيناه مشاركاً في مهرجان العجيلي الثالث للرواية العربية الذي أقامته مديرية الثقافة في الرقة ،فأثرنا معه هذا الحوار:
ـ للرواية جماليات على صعيد الزمان والمكان عبر السرد واللغة والحوار ..كيف تنظر إلى تمايز الشخصيات الروائية؟
الشخصيات الروائية تتمازج أو تتداخل أو تتقاطع من خلال الأفعال ،أو الأحداث التي يقوم بها كل شخصية من هذه الشخصيات ،والروائي وهو يبني شخصيته في الزمان وفي المكان يعطي لكل شخصية إطارها الخاص بها ويحملها بدلالات خاصة ،إذ إن هذا الامتزاج هو وليد صنعة روائية يقوم بها الروائي ،لتقديم شخصيات لها حمولة نفسية واجتماعية وأخلاقية وفكرية وفنية .
يقول مواطنك الناقد المغربي الدكتور محمد برادة : (الرواية مجال للمسكوت عنه) ..ماترى أنت ؟
أنا أعتبر الرواية سيرة بحث ،هي سيرة اكتشاف ،اكتشاف في الواقع واكتشاف في الذات وبحث عن الظاهر ،بحث من خلال الظاهر عن الباطن ،بحث من خلال الأحاسيس ،كيف تتحقق في الظاهر ، لذلك فإن الروائي عندما يكتب نصاً سردياً فهو في الحقيقة يبحث ليس عن أفكار مهيأة موجودة ،أو عن تطورات معينة ،ولكن وهو يكتب يخلق عالماً من شخصيات وأحداث هذه عملية الإبداع تتركه يبحث من خلال الشخصيات التي يقدمها عن ذلك العالم الداخلي للإنسان ذلك المسكوت عنه بصورة أخرى ،وإن كان مصطلح المسكوت عنه هو واسع الدلالات ،ويمكن أن يتسع لأشياء كثيرة جداً .
ـ أنت تؤكد حبك للشعر ..فكيف يمكن المفاضلة بين الشعر والرواية ؟
أنا لا أفاضل بين الأجناس ،كما لاأفاضل بين المناهج ،ماأقول أو أدافع عنه ،هو أن يكون هذا الجنس ،أو ذاك قادراً على البحث عن رؤيات ،وقادراً في الوقت نفسه على تقديمها بطريقة فنية ،يبدو لي أن هذا هو المعيار الأساسي ،لذلك أنا عندما أعودالى قراءة الشعر العربي القديم ،وعندما استمع إلى شعراء معاصرين ،فانطلق من هناك إلى خصوصيات الشعر ،ونفس الشيء يمكن أ ن نقوله عن الرواية ،ليست كل رواية هي رواية حقيقية ،حتى وإن كانت داخلة ضمن جنس أو نوع الرواية لابد من معيار الجودة ،ومن معيار الخصوصية ،ومن معيار القدرة على التعبير والكشف عن بواطن الأشياء وتقديمها بصورة تجعل الإنسان يشكل معرفة جديدة من خلال تعامله مع هذا النص الروائي ،يبدو لي أن هذا المعيار الذي يمكننا من القول التفاضل ،ولكن الاختيار بين أن نذهب الى هذا الاتجاه ،أو الاتجاه الآخر ،ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن المناهج النقدية فلكل منهج أطروحاته وخصوصياته وأسئلته التي يجيب عنها لاوهو يشتغل على النص الأدبي ولايمكننا أن نفاضل هكذا بين المناهج اطلاقاً ولكن نتساءل مامدى قيمة المشتغل بهذا المنهج ؟ ومامدى استيعابه وتمثله له ؟ ونجاحه على الاشتغال به والعمل على تطويره من خلال البحث أو تحليل نص سواء كان نصاً سردياً أو نصاً شعرياً .
يقال: (إن الرواية أصبحت تختزن معظم الفنون في بنيتها ) ..هل الرواية وريثة السرد الشفوي ؟ وكيف تصل الرواية العربية الى الريادة ؟
الرواية كنوع وجنس أدبي ،عندما ظهرت كنوع هجين من الثقافة الشعبية ،من الثقافة القادمة ،وحاولت كذلك أن تستوعب مختلف الأجناس ومختلف الأنواع،لذلك فهي نوع قادر على احتواء وتمثل وتضمن العديد من الأنواع السردية التي يحولها الروائي الى بنية خاصة ، هي بنية الرواية ، في النص الروائي بُعد شفوي يأتي من زوايا كثيرة من جهة وهو أنها وهي ترصد اليومي وهي تتحدث عن حياة الناس اليومية تمثل لنا صورة واضحة عن الإنسان كيف يعيش وهو يحيا وهو يتكلم وهو يعبر وبالتالي فهي تلتقط مثلاً من خلال الحوارات بعدا من أبعاد هذا السرد الشفوي ولكن وإذا كنا نعتقد بهذا السرد الشفوي التراث السردي فهو فعلاً أن هذه الرواية بإمكانية هامة جداً للتعبير عن قضايا الانسان وعلاقاته بالزمن والتاريخ والعصر الذي يعيش فيه باعتبار هذا العصر امتداد لذلك للتاريخ بالنسبة للرواية العربية يمكن أن تكون رائدة وهي الآن بدأت تحقيق تراكمات مهمة لن يحقق لها ذلك بفعل تحول هذا التراكم الى نوع أو الى كيف وعملية التحول هذه تحقق من خلال الوعي بالمنجز الروائي المتحقق وقراءته وفهمه فهماً وقراءة نقدية ومحاولة تجاوز هذه التجربة بالانفتاح على تقنيات جديدة في الكتابة بالانفتاح على قضايا الانسان وعدم التقوقع على قضايا مستهلكة ومعالجتها بطريقة غير فنية أو غير جمالية أرى بأنه بهذا يمكن للروائي العربي أن يخترق العالم ويساهم في الحضور الروائي العالمي وهو يتناول قضايا أساسية من منظورات كثيرة .
ـ ثمة تداخل بين الكولاج والمونتاج في السينما ..فهل انعكس ذلك في الرواية؟
هو كل التقنيات الموجودة في السينما التي نجدها في العمل الصحفي ،في أنواع الخبر في التحقيقات ،في الرسائل ،في الخطابات ،صار الروائي يستخدمها متمثلاً البنية الجديدة من التواصل بين الناس وهي الوسائط المتعددة وفعلاً نجد الرواية تعكس لنا هذه الأشياء عكساً متطوراً بل إن العديد من الروائيين وخصوصاً في أوربا قد سبقوا بهذا الاتجاه ولاقوا تطوراً كبيراً في التأثير ،إذ إن تبادل التأثير والتأثر بين الرواية وباقي الفنون الأخرى هي مسألة مرتبطة بتاريخ الرواية وتقدم لنا نماذج كبيرة جداً من هذا التفاعل.
قيل:( إن زمن الرواية زمن الابداع ) و(الرواية ديوان العرب) ،ورأينا أن الدكتور صبري حافظ يتحفظ على هذا الكلام ..مارأيك أنت ؟
أرى انه لأسباب موضوعية ولأسباب ذاتية أحياناً نوع من الأنواع يحتل مسألة الريادة وباحتلاله لمسألة الريادة فهو يستقطب ويحجب العديد من الأنواع التي تحتل المكانة أو المرتبة في فترة سابقة ويبدو لي أن المشهد الروائي العربي بدا يحظى بتقدير من لدن القراء ولدن الناشرين ومن لدن النقاد كذلك فبعد هزيمة الصهيونية هذا الحدث التاريخي أعطى للرواية العربية دفعاً جديداً لأن الروائي العربي استطاع التساؤل مع هذا الحدث وكان قادراً على التعبير عن تناقضات المجتمع العربي بطريقة لم تقدمها أي من الدراسات التي حاولت رصد هذا الحدث ،في حين إن الشعر قبل هذه المرحلة كان متوهجاً وكان له حضوراً أكبر في الحماس وفي رفع الوجدان في الشعب تضامناً مع القضية الكبرى وكان البعد الانشادي أو الجمالي هو المسيطر لكن هذه الهزيمة وكأنها جاءت لكي تضع حدا لخطاب ينجم عن الحماس الذي عمل على توليده إلا الخيبة أو الهزيمة.
– كل نص له محتواه الايديولوجي ،وهناك من نعى اليوم موت الايديولوجيا ..فهل هناك وعي مشوه للتاريخ أو للعالم الجديد؟
عندما نستعمل مثل هذه المصطلحات (موت الايدلولوجيا ،أو نهاية الايديولوجيا ،أو نهاية التاريخ أو ماشاكل ذلك يبدو علينا انه لانأخذها بمأخذ أنها نتيجة تحليل أو نتيجة تطور وإما وليدة رؤية معينة لنوع من الايديولوجيا أو النوع من التاريخ لذلك أنا لست مع الرأي الذي يقول بأن ادانة الايديولوجيا هي موقف ايديولوجي وإما يقول بنهاية التاريخ هو يقصد بذلك بداية التاريخ الجديد وبهذه الحالة فالتاريخ يظل متواصلاً والايديولوجيا ستظل متواصلة ولايمكن لانسان أن يعيش بدون أن يفكر أو بدون أن يتخذ موقفا الفرق في طبيعة هذه الايديولوجيا الى أي حد هي مطابقة للتحول التاريخي وقادرة على توجيه التفكير والدلالة نحو الوجهة الصحيحة وليس الوجهة الزائفة .
تشارك الآن في مهرجان العجيلي للرواية العربية تحت عنوان (الأسطورة والفنون)..الى أي حد وصلت الأسطورة في الرواية العربية؟
الى الآن باستثناء بعض الروائيين الذين لهم توجه واعي في الاستغلال لاستثمار هذه الاساطير ولهم كذلك اطلاع وقراءة عليها فهناك على الاغلب هو فقط توظيف لبنيات اسطورية وبالتالي يبدو لي ان امكانية الحديث عن رواية اسطورية عربية هو مايزال بعيداً لأنه يتطلب تصوراً ورؤية جديدة من الاساطير سواء أكانت عربية أو أجنبية ويبدو لي والى فترة قريبة جداً كان هناك موقف ثقافي سائد ضد الأساطير باعتبارها مرتبطة بالخرافات أو ماشاكل ذلك والآ صار الرجوع الى هذه الأساطير ومحاولة استثمارها لكن في الوعي الحقيقي لم يتشكل برأي بالطريقة التي تجعل من تفاعل الرواية مع الاسطورة مؤسس على فهو عميق للإنسان لطبيعة تاريخه لعلاقة مع الزمان العلاقة مع الطبيعة والعلاقة مع الانسان ودون ذلك فترة زمنية تتراكم فيها العلاقات مع هذا النمط من الابداع السردي الكلاسيكي .
مارأيك بأدب العجيلي؟
هو رائد في المجال السردي وكان ابن عصره وعبر عن هذا العصر تعبيراً حسناً وبذلك لايمكن إلا أن يستحق منا أن نقف اجلالاً لعطائه ولدوره الريادي .
http://furat.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=28142090820090707020827