التوافق الإيجابي :
حكومة منسجمة ومعارضة موحدة.
سعيد يقطين
تستدعي المرحلة الجديدة التي نعيشها توافقا من نوع جديد يسمو إلى متطلباتها وضروراتها. لقد عاشت بلادنا منذ بداية الربيع المغربي في 20 فبراير2011 تطورات كبيرة أوصلت الحكومة الحالية إلى الواجهة. مهما يكن موقفنا من كل هذه التطورات، بما لها وبما عليها، فلا يمكن لأي متتبع دقيق للشأن المغربي، وأي غيور على المصلحة الوطنية بكل أبعادها إلا أن يثمنها باعتبارها عتبة صيرورة جديدة، نأمل أن تقطع مع كل التاريخ المغربي الحديث.
إذا كانت كل هذه التحولات قد حصلت بسبب الربيع العربي الذي جعل الواقع العربي على محك تجربة جديدة، وأدت بالشعب إلى الخروج عن حياديته، والسلطة عن ممارستها العتيقة، فإننا نلاحظ أن الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والإعلام المغربي لم يتأثروا كثيرا بهذه التحولات والتغيرات. ومعنى ذلك أن لغة الخطاب والممارسة الجماعية والإعلامية لم تر في هذه التغيرات ما يدفعها إلى الارتقاء إلى اللحظة الجديدة بكل ما تحمله من سمات ومميزات. فظلت تنتهج الأساليب والتقنيات التي كانت توظفها في السابق غير مقدمة بالملموس ما يجعلنا نراها مؤهلة للإسهام في هذه التحولات بجرأة في الرؤية ونضج في التدبير. ويجعل التحولات التي عرفها المغرب، تسير في المنحى الجديد التي دشن منذ بدايات المطالبة بالتغيير والإصلاح.
إن ما يدفعنا إلى التشديد على طابع التحول العام وضرورة انتقاله إلى المؤسسات الإعلامية والحزبية والجمعوية يكمن في الدور الذي يمكنها الاضطلاع به على المستويات كافة من أجل تحقيق صيرورة جديدة وفعالة. وإن كان لنا أن نسجل في السياق ذاته أننا بدأنا نلمس تحولات محتشمة وخجولة. إننا منذ منذ تشكل الحكومة الجديدة عاينا ردود أفعال وسجالات تذكرنا بما كان منتهجا في السابق. وكان الأمل أن نجد رؤيات جديدة وتصورات مختلفة في تدبير النقاش والحوار. فلغة السجال والارتجال وتحريف الأنظار عن القضايا الجوهرية إلى ما هو ثانوي ليصبح من الأولوليات، وممارسة الهجاء السياسي بدل النقد السياسي،،، كل ذلك تعبير عن عدم الارتقاء إلى متطلبات اللحظة وما تستدعيه من تحمل المسؤولية من لدن الجميع، سواء كان في الحكومة أو المعارضة أو في وسائل الإعلام، للانخراط الإيجابي في هذه الصيرورة، ودفع التجربة المغربية إلى خدمة الصالح العام.
إذا كان من حق المعارضة الاضطلاع بدورها المنوط بها في إطار اللعبة الديموقراطية، ومن حق الإعلام ممارسة دوره في التواصل مع القراء لكسب أكبر عدد منهم، فإن ذلك ينبغي أن يتم وفق قواعد وقيم وأخلاقيات تسهم في الارتقاء بالتجربة المغربية إلى الأمام، وفي التعبير عن نضج سياسي وإعلامي يؤهل بلدنا للخروج من النفق الذي أوصلتنا إليه ممارسة سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية تمتد على مدى أكثر من نصف قرن. وإلا فمن حق المواطن والقارئ أن يتساءل : من من حقه إفشال هذه التجربة؟ ولمصلحة من؟
لقد جاءت هذه الحكومة بناء على تجربة انتخابية جديدة صوت فيها الشعب على من يراهم جديرين بثقته. كما أن الكل مجمع على أنها جاءت في ظرفية صعبة جدا، على المستويات كافة، داخليا وجهويا ودوليا. وكيفما كانت الحكومة التي كانت ستجيء لتحمل المسؤولية فإنها ستعترضها تركات الماضي وتحديات اللحظة والمطالب الشعبية الملحة. والرهان الأكبر في هذه المعادلة، وفي سياق الصيرورة الجديدة، هو استعادة الثقة في العمل السياسي. ولا يمكن أن يتحقق ذلك بدون حكومة واقعية ومعارضة ناضجة وإعلام مسؤول. ومعنى ذلك بتعبير آخر، الارتقاء إلى اللحظة التاريخية الجديدة، والقطع مع أساليب الماضي من لدن الجميع حكومة ومعارضة ومجتمع مدني ومؤسسات إعلامية.
إن تغليب لغة العقل والجدل المؤسس على الوضوح المنهجي وتغليب المصلحة الوطنية على أي مصالح خاصة أو أخص واعتماد الحوار الإيجابي والمقنع هو قاعدة هذا التحول. كما أن التركيز على الأولوليات المستعجلة التي تهم حياة الناس اليومية في أي عمل ينبغي أن يحل محل النقاشات التي تحرف الأنظار عن الجوهري إلى الثانوي. أما اللغات الانفعالية والعاطفية وخطابات تأجيج المشاعر والتأليب، وقلب الطاولات فلم يبق ما يسوغ استمرارها.
لقد أدت عوامل ذاتية وموضوعية، تاريخية ومرحلية، إلى تشكل الواقع السياسي المغربي، بناء على توافقات أملتها ضرورات استعجالية، وأدت إلى الصورة التي يتخذها الآن: أمشاج من المرجعيات والتصورات والمقاصد داخل مكونات الحكومة والمعارضة معا. فكيف سيتم تدبير هذه الاختلافات للوصول إلى ضمان حكومة منسجمة، ومعارضة موحدة؟ وعلى أساس أي ميثاق سيتم تدبير تلك التوافقات للانتقال بها إلى التوافق الإيجابي البناء الذي يضمن السير بالصيرورة الجديدة إلى تحقيق المطلوب؟
جوابا على هذين السؤالين، نرى أن الارتقاء إلى متطلبات المرحلة، بانتهاج رؤية وممارسة جديدتين من لدن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية المختلفة، تقطعان مع تركات الماضي، هي مدخل كسب الرهان الأكبر المزدوج: استعادة ثقة الشعب في المجتمع السياسي، وتحقيق أفق الانتظارات الكبرى. وفي ذلك، لا في غيره، فليتنافس المتنافسون.
حديث الصباح : جريدة الصباح 1 فبراير 2012