د .نور الدين محقق
ـ تقديم .
1.بنية الكتاب وأهمية موضوعه
2 . محتويات الفصول ومنهجية القراءة
3.على سبيل التركيب
تقديم
يأتي كتاب د. سعيد يقطين “الأدب والمؤسسة : نحو ممارسة أدبية جديدة” (1) ليقرأ الواقع الأدبي المغربي ومن خلاله العربي، متوقفا عند محطاته الكبرى والمؤسسات المتحكمة فيها، بدءا من المؤسسة التربوية المدرسية والجامعية ووصولا إلى المؤسسة الحزبية والإعلامية بعد ذلك. وهو في عمله هذا، شأنه في باقي أعماله الأخرى، وان اختلف المقصد والمرمى، يتحكم في أدواته المنهجية ويقوم بضبط المادة التي يقوم بدراستها وتحليلها ضبطا علميا، يمنحها طابع الموضوعية ويجعلها بالتالي قابلة للتعميم العلمي والانطباق على شبيهاتها، كما يمكنه أيضا من طرح حلول لها لتقديم تصور متكامل لبديلها المقترح، مع تقديم أدلة علمية مستقاة من الواقع تارة ومن الكتب تارة أخرى. هكذا نجد انه في البداية يحدد أن المادة التي يتناولها في كتابه هذا هي”المسألة الثقافية” متمثلة في الأدب باعتباره أحد تجلياتها الكبرى. يقول : “نريد في هذا الكتاب أن نناقش بعض جوانب المسألة ثقافية في المغرب والوطن العربي بوجه عام ونتوقف بشكل خاص على ما يتصل بالأدب باعتباره إنتاجا يضطلع به المبدعون في مختلف أشكال القول والتعبير، وبصفته موضوعا للبحث والتفكير من لدن النقاد والدارسين والجامعيين .. وبكونه أخيرا منتوجا يتفاعل معه القراء من مختلف الأعمار والمستويات” ص : 10 .
1 بنية الكتاب وأهمية موضوعه :
يحتوي الكتاب على المقدمة شاملة تطرح خصوصية موضوعه وجدته وجديته في الآن ذاته كما تشير إلى أهميته وضرورة أخذه مأخذ جد، لأن الأمر هنا يتعلق بالعلاقة الملتبسة التي يأخذها الأدب بشكل عام مع المؤسسات التي تساهم في إنتاج وهي مؤسسات لها أسسها العامة وأهدافها المختلفة التي قد تقترب من الأدب تارة وقد تبتعد عنه تارة أخرى. وبما أن الأدب هو وجه من الوجوه الثقافة التي أصبحت تمنح العالم التي يبنى عليها، كان لابد لإعطاء المكانة اللائقة به وتحريره من كل الخطابات الأخرى التي تسعى للاستحواذ عليه وجعله تابعا لها. هكذا سيهتم د. سعيد يقطين في كتابه هذا “مناقشة بعض جوانب المسألة الثقافية والوطني العربي بوجه عام، متوقفا بشكل خاص على ما يتصل بالأدب اعتباره إنتاجا يضطلع به المبدعون في مختلف أشكال القول والتعبير وبصفته موضوعا للبحث والتفكير من لدن النقاد والجامعيين… بكونه أخيرا منتوجا يتفاعل معه مختلف الأعمار والمستويات…” ص: 10 “. وهكذا ستتوالى عناوين فصوله ومحتوياته طارحة مسألة الأدب في شموليتها وفي محيطها الثقافي والسياسي والاجتماعي بشكل عام.
2 – محتويات الفصول ومنهجية القراءة :
يتناول الفصل الأول ثلاثية المؤسسة والسلطة والأدب منطلقا من ضرورة ربط الأدب باعتباره إنتاجا بالمسألة الثقافية من جهة وبالمجتمع الذي يوجد به من جهة أخرى، هذا إضافة إلى إلزامية تعبير هذا الأدب تستمد جذورها أيضا من التاريخ الخاص الذي يشكل أو يريد أن يشكل لبنة في صرحه المؤسس، وهو ما يجعل من دراسة الأدب عملية صعبة، خصوصا وانه “قلما كان موضوعا إشكاليا للبحث والسؤال” ص : 14. كما تم في هذا الفصل ربط السؤال أرادب بسؤال المؤسسة الأدبية وكيفية تعاملها مع هذا الأدب ورغبتها في تشكيله وفق تصورها الخاص ومنطقها الذي تؤثر فيه عوامل كثيرة منها ما هو غير أدبي تماما، نافيا أن تكون هذه المؤسسة باعتبارها كذلك عبئا على الأدب، مقدما تاريخ الآداب العالمية كشاهد على ذلك، مستخلصا أننا “قد نرفض المؤسسة والسلطة الأدبية إذا كانتا فعلا موجودتين. لكن هذا الرفض يؤدي للضرورة إلى الدفاع عن مؤسسة جديدة وسلطة مختلفة وليس الدفاع عن الفوضى” ص : 28. بعد ذلك ينتقل الكتاب إلى طرح علاقة الثقافي بالاجتماعي منطلقا من التحولات الكبرى التي شهدها العالم إن على المستوى الدولي أو القومي أو المحلي، لينتقل بعد ذلك إلى محاولة تشخيص الوضع الثقافي المغربي الحالي الذي يعيشه المغرب وفقا نظرة شمولية تتسم بالتناسق المنهجي من جهة والجرأة في طرح من جهة أخرى لينتهي بعد ذلك إلى تقديم تصوره جديد للممارسة الثقافية التي يجب أن تكون. والتي يمكن أن تتمحور بنياتها في الآتي :
1 – التفكير الجماعي في مجمل القضايا الثقافية – الاجتماعية ضرورة قصوى .
2 – دعم هذا التفكير بممارسة جماعية منظمة ومسؤولة من مستلزمات الحقبة الجديدة، لا سيما وان بنية المجتمع المغربي تساعد بعد ذلك بل تدعو إليه لان من أهم مميزات هذه البنية : الانفتاح والتنوع والحوار.
بعد هذا يتناول د. سعيد يقطين مسألة جد حساسة أثارت وما زالت تثير العديد من أسئلة المنتقدة، تلك المسألة هي علاقة الثقافي بوجه عام والأدبي على وجه التحديد بالسياسي، اذو بالرغم من أن الجميع يكاد يعرف أن تبعية الأدب “كانت هي الشكل المتحقق على الصعيد المادي” ص : 52. فان الدعوة إلى تجاوزها لم تطرح بعمق وحتى إن حان الوقت لفعل ذلك، إذ في غياب التحرير الأدب من هذه التبعية لا يمكن له أن يكون أدبا حقيقيا، ولن يتحقق هذا الأمر، حسب الباحث، إلا بالنهج طريق العلم يعتمد الأسس التالية للتمييز بين الثقافي بوجه عام والاجتماعي السياسي. وهذه الأسس هي كالتالي :
1ـ تجاوز أنماط الوعي القديمة .
2 – تجاوز تبعية العمل الثقافي للسياسي إلى الإيمان بالارتباط بينهما.
3– التمييز بين المجالات الثقافية والتركيز على خصوصية كل واحد منها.
ونظرا لان الأدب هو موضوع الكتاب الرئيسي فقد تمت العودة إليه في نهاية الفصل الأول، عن طريق تحديد هويته من جهة والأنواع التي تنتمي إليه من جهة أخرى. أما بخصوص الفصل الثاني من الكتاب، فانه يتناول هو الآخر بدوره تشباكية العلائق بين كل من الأدب والنقد والعلم، محاولا توضيحها وتقديم تحليلات عميقة لها، بغية التوصل إلى ما يميز كل واحد منها عن الآخر، وما يجمع بين كل واجد منها بالآخر من جهة أخرى. وقد تم هذا التناول بمنهجية علمية متمكنة تميز بين المواضع بدقة متناهية، عبر تمحيصها وتحديد مختلف مكوناتها البنوية، وهو ما حقق ذلك البعد الرؤيوي الجديد إلى الخطاب والنص والمجتمع معا. ودفعها لاستشراف حتى الآفاق التي تسعى للسير فيها بله التوقف عند حدودها فحسب. وبغية التوضيح خصوصية هذه الرؤية العلمية ذات المنهجية المحددة والمضبوطة داخل الحقل الأدبي، كان لا بد من التوقف عند مقاربات أخرى للأدب منها ما تسير وفق منهجي علمي مضبوط ومنها ما لا تعدو أن تكون مجرد حذلقة أدبية ليس إلا. هده حذلقة التي تبتعد عن التحليل العلمي وتمارس “الإنشاء” باعتباره تجميع للكلمات ورصها وراء بعضها البعض دون رؤية علمية ولا منهج محدد وباعتباره أيضا حسب الباحث “تجميع لمواد مختلفة، ومعلومات متناثرة، وصياغتها بصورة تضمن لها درجة من الانسجام المقبول ولو على الصعيد الشكلي، مع ميل كبير إلى المساجلة، والتأثير في المتلقي باعتماد مختلف الوسائل” ص : 86 . إن الباحث د. سعيد يقطين يدعو هنا إلى تجاوز هذا النوع من الاشتغال الأدبي عبر تبني الدراسة الأدبية الحقيقية التي تعتمد أسس العلمية والضبط المنهجي المحكم. والتي يعدد بعض أوجهها ممثلة في التحليل العلمي للنصوص والتحقيق والترجمة، كما يدعو إلى خلق صحافة أدبية مستقلة عن الهيمنة الفكرية الضيقة التي لا ترى في الأدب إلا وسيلة للتعبير عن غايتها هي : وليس عن غايته هو. هكذا ينتهي الفصل الثاني فاسحا المجال لمحتويات الفصل الثالث، الذي ينبني في مجمله على ثلاث محطات كبرى هي : الجامعة والأدب والمجتمع.
بداية يطرح الباحث أهمية الجامعة في بناء مجتمع حديث ويطالب بضرورة إعطائها ما تستحقه من العناية لأنها المرآة الحقيقية للمجتمع من حيث بنية تفكيره، لينتقل بعد ذلك لمناقشة العلاقة القائمة بين الأدب والجامعة. يقول د. سعيد يقطين في هذا الصدد ما يلي : (إن العلاقة الجامعة بالأدب علاقة تلق وبحث، لا علاقة إنتاج ومعنى، ذلك أن ليس على عاتق الجامعة تخريج أفواج من الشعراء والكتاب والمسرحيين وروائيين. أنها تهتم على نحو خاص ب “النص الأدبي” باعتباره ظاهرة ثقافية –اجتماعية سواء في الزمان أو المكان، أي أنها تعالجه من حيث تكونه وصيرورته وتطوره، وتبعا لذلك ترتبط الجامعة بالأدب من خلال ما يمكن تسميته ب “المعرفة الأدبية” تمييزا لها عن باقي المعارف التي تضطلع بها الجامعة في تخصصات أخرى ومجالات مغايرة، ص :120. بعد ذلك ينتقل الباحث إلى مناقشة الإعلام الجامعي مبينا الحالة التي هو عليها من جهة ومطالبا بضرورة تطويره من جهة أخرى حتى يصبح اكثر تأثيرا في المجتمع مما هو عليه الآن.
3.على سبيل التركيب:
إن كتاب د. سعيد يقطين من الكتب المثيرة للجدل في معناه الإيجابي الهادف إلى تغيير المفهوم الأدب وإحلاله المكانة اللائقة به والتي تسعى لتحديد الداء ثم تحاول تقديم الدواء الناجع له وفق التصور علمي يبتعد عن الذاتية من خلال تناوله الظواهر في مختلف تجلياتها، مصرا على تفكيك آليات اشتغالها لمعرفة البنى المتحكمة فيها، إضافة إلى أنه من بين أهم الكتب العربية التي تميزت بجرأتها في التناول والطرح لقضايا الأدب في علاقاتها بالمؤسسات المتواجدة فيها، وهو الأمر الذي يدعو كل الباحثين في هذا الصدد إلى مناقشة ما ورد فيه من أراء وما اعتمل في صدره من أفكار.
إن هذا الكتاب الجريء يأتي في معترك الكتابة الجديدة خالقا نفسا جديدا لها وداعيا إلى استمرار التجديد بحثا عن آفاق أدبية أخرى وعلاقات حداثية أهمها ضرورة احترام الاختلاف والسير في ركابه، وهو بجانب كتب أخرى من بينها “حوارات من اجل المستقبل” للمفكر د. طه عبد الرحمان( 2) لبنة أساسية في محاولة تشييد مفهوم جديد للأدب من جهة ورغبة قوية في خلق علاقة أدبية حقيقية تسانده، بعيدا عن هيمنة سلط أخرى تنتمي لحقول مختلفة عنه كل الاختلاف ونائية عنه كل النأي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- 1. سعيد يقطين ، الأدب والمؤسسة ، نحو ممارسة أدبية جديدة ، منشورات الزمن ، الرباط مارس2000
- 2. طه عبد الرحمن ، حوارات من أجل المستقبل ، منشورات الزمن ، الرباط ، أبريل2000