حسيب الكوش
” نقول عن بنية رياضية ما أنها تشتغل كخطاطة عندما يتعلق
اعتمالها بمفاهيم نظرية وأنها تشتغل كنموذج عندما يتعلــق
اعتمالها بظواهر تشملها تلك المفاهيم”.
ج. بتيتو- كوكوردا
( 1986- ص: 196)
( المعجم المعقلن للنظرية السيميائية. II. معلم: صوغ
الخطاطة. تحت إشراف: كريماص وكورتيس).
إن القول بتركيبة عامة للذهن البشري، منها الكوني والفطري، ينتج عنها القول بتشابه الآليات. لكن علوم الأعصاب والمورثات تنقل حقيقة القول ذاك من الإطلاق إلى التنسيب.
ذلك جزء من القصد العام للنظر في إعمالات الذهن النصية، بحكم أن كتاب: قال الراوي- البنيات الحكائية في السيرة الشعبية-(1) لا يربط بين عالم المنهاجيات والإجرائيات وعالم السيرة الإبداعي روم تحليل معين على الحصر ولكن أيضا حكاية لها حكائيتها، أي، وحدة نصية تشكل علامة. وإن كان الراوي في السيرة يلجأ إلى الاداتية الذهنية واللغوية والسياقية لبناء جملة إمتاعه- إقناعه ومعجمتها فإن د. سعيد يقطين يستند لتحقق لذة التنظير وحكائية القول النقدي إلى أداتية تدليلية. أي، أن نسبة الراوي إلى السيرة كنسبة سعيد يقطين إلى قال الراوي. غير أنه وجب التمييز بين ما يدخل في نطاق الواصف النصي وهو تركيب القول والموصوف النصيوهو دلالته. لهذا اقتصرنا من البنية على الخطاطة نظرا لأن الخوض في النموذج يرتبط بالقصديات. و لابد من الإشارة إلى أن قول المعنى بقول غير ذي معنى لا يصدق ولو على مأخذ التجريد(2) . إنما أمرنا – أيها القاريء الكريم- هو سن حق تقدير النص بعدل ونسبة: عدل حكاية بحكاية ونسبة حكاية إلى حكاية(3).
والحكاية متلازمة والإنسجام. فكما أن المستويات النصية تؤول إلى الجملة الواحدة. فكذلك الأقيسة المنطقية والإستدلاليات والحجابيات تؤول إلى قانون أو قوانين محددة. ذلك أن من يريد- يوضح د.محمد مفتاح- أن يستخلص النظام من الفوضى وأن يضفي على الظواهر صفات المعقولية فلا بد له أن يوظف الآليات المؤدية إلى النظام والإنتظام والمعقولية وأن لا يكتفي بشعار موت الإستقراء والإستنباط. فإذا كان هذا الشعار يريح من عناء التفكير والتدبير.
فإنه لن يقدم البحث العلمي وينمي الرغبة في الكشف عما وراء الظواهر. ولن يتجاوز لذة القراءة إلى لذة التنظير(4).
إذن، فالكتاب يتوخى الإنطلاق من متون كائنة وبمقدمات معينة للوصول إلى نتائج تتجاوزها إلى متون ممكنة. هذا الإنتقال يتطلب تشغيل طرق نظر ملائمة. ومن تم فإن د. يقطين سيحكي كيفيات ذلك الإنتقال وعناصره والعلاقات بين تلك العناصر. تلك الكيفية هي مدار القصد الظاهر الأصغر.
لكن لا يجب إضافة خطاب إلى خطاب ليحصل شرط النظر في حكائية التحليلي أو النقدي أو العلمي، بمعنى ما، أن ما يهم على صعيد الخطاطة ليس هو الذات الفاعلة وبرنامجها الحكائي، أي اعتبار كتاب قال الراوي شيئا مرغوبا في تحقيقه قصد النبش في هامش النص السردي الأصلي (القصة-الرواية) واللامفكر فيه حكائيا أو أن دخيرة العجائب(5). هي نواة الإستراتيجية العامة للتحليل … إلخ. ولكن ما يهم هو التركيبة العامة للنظر العملي. وقد سبق التأشير على صعوبة المسلك في الأخذ بالسياقات، والدليل المعتمد أن الأنظمة الذهنية ذات اشتغال كوني. تلك الأنظمة هي مدار القصد الباطن الأكبر(6).
نعم، إن إضافة تجريدي إلى تجريدي لا يمكن أن تؤدي بالضرورة إلى العياني(7). ولكن مقتضى ماهو طبيعي في العقل يوجب النظر فيه على قدر النظر به.
1- ميلاد الراوي:
ينتظم المسعى الإفتراضي لدى د.سعيد يقطين على مبدأين:
– السيرة الشعبية جملة حكائية و
– السيرة الشعبية جملة حكائية لها قابلية الإختزال (ص:28)
وللحصيف أن يقول: أن استدلالية الفرضي تقوم على استراتجيتين. الإستراتجية التصاعدية والإستراتجية التنازلية(8). رغم الإشكال الذي تطرحه فرضية بنية الإطناب على مستوى تموضعها العملي، أي، هل هي مسلمة نظرية أم مسلمة ممارساتية؟
وليكن، فالإختزال والتراكم محكومان بمبدأ التوليد. حيث أن الجملة الكبرى تنحل إلى جمل صغرى عبر تراتبية الجنس والنوع وباعتماد الآليات التصنيفية. مما يعني أن البنية العامة للفعل التعبيري في السيرة الشعبية تنهض على وظيفة مركزية ووظائف أساسية. الشيء الذي أوجب -يقول د.يقطين- أن نعطي لكل منها اسما مناسبا استقيناه مما تقدمه لنا المادة الحكائية في السرد العربي (ص: 35). فكيف تتمفصل عبارة التسمية من خلال التحليل؟ هناك من جهة أولى الدعوى.
أي، مايدعيه العمل الحكائي ويستند إليه في انبنائه (ص: 37). وإن كان الطابع التجريدي قد هيمن على ما صدق الوظيفة المركزية فإن الوظائف الأساسية- وعلى العكس من ذلك- تم استيفائها من خلال وقوفنا الطويل-ينبه د.يقطين-والدائم على السيرة الشعبية (ص: 37) حيث:
– الأوان: نعتبره تجسيدا للدعوى
– القرار: نقصد به بداية إنجازها
– النفاذ: نقصد به تحققها.
هذه التسميات المعضدة بالإعتبار والقصد هي ما يشكل المستوى النظامي في العبارة الواصفة من جهة قوتها. أما من جهة الفعل فإن من السير ماتيسر حصر ما تدعيه ويسند انبنائها و أخرى عسر فيها المطلب. غير أن شفيع التقسيم له منازل. وهذا مما يهون في تحصيل العمل من النظر. فالأمور- على الغالب- حتى في العلوم الحقة تأخذ بالملائمة وليس بالمطابقة.
هذه الوظيفة المركزية (الدعوى، الآلة الحكائية) هي مولد الحكي (ص: 50) لكن بحسب قضبية البرنامج الحكائي والقطب السالب هو أساس البرنامج الحكائي المضاد. ومن تم يشتغل اختلاف النص محققا لما يسميه د.يقطين التفاعل النصي (ص: 53). فالمطلب الأساسية للتحليل -باعتبار ما سبق- هو الكشف عن احتمالات الحكائي وتوقعات القاريء. أي، لا الحكاية كما قيلت ولكن الحكاية كما كان من الممكن أن تقال.
إذا كانت الدعوى هي مولد الحكي والجملة الكبرى (جملة الفعل) فإن نماء الحكي وتطوره رهين ما يتفرغ عنها من جمل صغرى(سواء على المستوى الأفقي أو المستوى العمودي شرط احترام مقاصد التمييز بين الزظيفة المركزية والوظيفة البنيوية)(9). غير أنه وجب التأشير على مقتضيات العمل النظري: لماذا البدء من النفاذ قبل الأوان والقرار؟ ومشروعية التساؤل تتأتى من كون موجهات الفعل كما طرحا د.يقطي (ص: 61) تأخذ التراتبية نفسها في مقابل الوظائف، أي، أن موجه القدرة بالنسبة لوظيفة النفاذ هو منطقيا(حتى لا نقود دلاليا) تالي لموجهي المعرفة والإرادة بالنسبة لوظيفتي الأوان والقرار.
وعلى الجملة، فهناك دائما وظيفة مركزية تقوم على الإختلاف وتظل تنشطر مولدة وظائف أخرى من الطبيعة نفسها (ص: 78). ومع الإنشطار يقوي الإنتظام أو الإختراق أو يضعفان أو يعتدلان(10). وباعتماد تركيبية د.سعيد يقطين فإن كل سيرة تنهض على وظيفة مركزية هي أساس تولد مختلف البنيات الحكائية وإلى وظائف أساسية هي مركز تشعب مختلف البنيات أفقيا وعموديا مشكلة لما يسميه بالموسوعة الحكائية (ص: 83). أي، نصا ثقافيا جامعا. وعليه تتحدد الخطاطة العامة لجملة الفعل كالتالي:
المستوى |
العمودي |
|||||
التوالد |
التشعب |
|||||
الجملة الكبرى (جملة الفعل) |
جملة صغرى |
جملة صغرى |
جملة صغرى |
جمل صغرى |
الجملة التي لا تتجزأ |
المستوى الأفقي |
الدعوى (الوظيفة المركزية) |
الأوان |
القرار |
النفاذ |
وظائف بنيوية |
وظائف فرعية |
|
الواجب |
المعرفة |
الإرادة |
القدرة |
(الواجب- المعرفة- الإرادة- القدرة) |
(الواجب) (المعرفة) (الإرادة) (القدرة) |
2- جملة الفاعل:
إن الوظائف مختزلة في جملة الفعل مشروطة – طبيعيا وكونيا- بجملة الفاعل. فلا وجود لفعل من غير فاعل. ورب مقتضيات أونطولوجية تغلف صوغ القاعدة تلك لضروب من المقاصد شتى بين العلماء والابحثين.
إذن، نسلم بلا جدوى استشكال الإلتباس حول مسألة الأوليانية والثانيانية بين الفعل و الفاعل من جهة واعتبار -حسب ما يقتضيه العمل النظري- أن رصد الوظائف سابق لرصد الفواعل من جهة أخرى. وعليه، ماهي الأسس المعرفية التي وجهت رصد د.يقطين للفواعل داخل النص السيري؟ كيف تم توزيعها نصيا في مقابل شبكية الوظائف؟ ماهي التجليات العلاقية لبنية الإطناب من خلال الجملة الكبرى للفعل والجملة الكبرى للفاعل؟
نعم، هذا المنحى يؤكد ما سرنا عليه في تحليل الأفعال -الوظائف- يجيب د.يقطين ويستطرد – ويمكننا من تحقيق الملاءمة العلمية التي جعلناها وكدنا (ص: 88). وعليه، فقد كانت الأسس المعرفية الموجهة لذلك الرصد أربعة وهي: التوصيف والترابط والتصنيف والعلاقية
وقد أوجزها د.يقطين على جهة التفسير قصدا للإفهام فجاءت صوغا: نظر في التجليات والأبعاد وربط الشخصيات بالوظائف واختزالها إلى مجموعات والبحث في علاقيتها على مستوى مجرى الحكي.
هكذا، يتبدى للقاريء الكريم أنه لما كانت الوظائف مبنية على عملتي التوليد والتشعب تبعا لعمودية المحور أو أفقيته فإنه كان لزاما الحديث عن توزيعية الفواعل بمقتضى أن لكل فعل فاعل وتبعا لمبدأ المحايثة في القاعدة الأنطولوجية السابقة. لهذا اعتمد د.يقطين التراتبية السبرنطيقية للفعل الإجتماعي كما حددها جي روشيه والمتوزعة إلى دائرتين: الأدوار والجماعات وتقع في اسفل السلم والمعايير والقيم وتوجد في أعلى السلم. وباعتبار التراتبية – بغض النظر عن توصيفاتها- قاعدة كونية فإنها حددت النسيج الإجتماعي للنص. مما حذا بالباحث وباعتماد قوانين المماثلةالكونية والتناسب أن يعتبر نص السيرة الشعبية مجتمعا وعالما.
وبناء على هذا التوزع في ضبط المرجعية بالنسبة لعبارة القول، أي، قياس مجتمع السيرة الممكن على مجتمع واقعي أو افتراضي، سيأخذ التحليل على طول الحكاية الواصفة من خلال تقابل فيه الإختلاف والإختلاف المقرون بالإتلاف والتناقض المقرون بالإطلاق والتضاد والتضاد المقرون بالسلب أو الإيجاد وقطبي كل ذلك: ما هو سفلي وما هو علوي.
إذن كيف تحقق مجتمعية السيرة تراتبها على صعيد النص السيري؟ وما هي أبعادها؟
الأبعاد -يقرر التحليل- هي الشخصيات، الفواعل، والعوامل (ص: 91) ولذا فإن اعتباطية لمنهجي تفرض رصد كل بعد على حدى قبل تنتيج العلاقات فيما بعد.
ما هي الشخصية السرية؟ هذا السؤال لا ينقطع بجواب، ذلك أن هناك شخصيات وليس شخصية بالمعنى المفرد. حيث هناك -يوضح د.يقطين- الشخصيات القابلة للإدراك والشخصيات القابلة للتصور والشخصيات القابلة للتمثيل. حيث الإدراك محكوم بالمرجعية والتصور بالتخييلية والتمثل بالعجائبية. لكن، كيف تم هذا الربط؟ أي، ما دامت هذه الشخصيات تحيا في عال حكائي واحد فكيف تصوغ نمط وجودها المشترك في ظل الترابطات السالفة؟ ذلك أنه إذ كان ليبنتز يعتبر أن العوالم الممكنة مسألة تتعلق بوجود الله فإن ممكنات العالم الحكائي مسألة لا تتعلق بالشخصيات وحسب بل تتعلق بوجود النص ومن تم بوجود الراوي. وبالتالي فإن تلك السمات – يستشعر معنا د.يقطين حدة الموقف- تجعل ذلك التمييز النوعي لا يخلو من تبسيط (ص: 93) وعليه:
– نسم بعض الشخصيات بأنها مرجعية لإمكاننا تكوين فكرة عنها خارج السيرة الشعبية (ص: 95).
– نقصد بالشخصيات التخييلية مختلف الشخصيات التي لا نجد لها اسما تاريخيا محددا (ص: 97).
– نقصد بالشخصيات العجائبية كل الشخصيات التي تلعب دورا في مجرى الحكي والمفارقة لما هو موجود في التجربة (ص: 99).
إن مقولة التراتبية تشتغل شجريا في أي عالم كائن أو ممكن. بمعنى ما أن التمييز السابق بين الشخصيات قد يشوبه تداخل المقولات. لذا، إذا كانت الشخصية تنتمي إلى جنس صاف اعتبرت بسيطة وإذا جمعت أكثر من جنس اعتبرت مركبة (ص: 104).
لكن، ورغم كل ما قد يكون، فإن السيرة الشعبية – وطبقا للبناء الإفتراضي العام – نص واحد. نص يشكل عالمه الممكن، أي، أنه من المخيلات. وبالتالي فالعلاقة الوحيدة التي تربطه بالواقع أن هذا الأخير هو العالم الأصلي . بحكم أنه لا يمكن إتيان شيء من لا شيء ومن تم انتفاء البحث في صدقية أو لا صدقية المخيلات. وهو ما تصدى له د.يقطين في إشارات منه عدة إلى بعض دارسي النص السيري. وخلاف ذلك المقنعات والتي تكون حجتها في حجيتها. إن القصد من هذا الطرح، أي الربط بين الممكن والواقعي هو الدخول في جدولة العلاقات المنطقية بين العوالم مما قد يضع المخيلات على تماس مع خطوط عريضة. منها الدين والتاريخ والاناسة ويذهب للإمتاع بريحه. وعلى أي، فالعوالم الممكنة لا تتعلق بما كان وما يكون ولكن بما لميكن وقد يكون أو قد لا يكون(11).
تلكم، جملة مستويات تخص حد الشخصية باعتبارها مايكون طبيعة الفاعل وإطار تصرفه، لكن ما هي أنواع التصرف؟ أي، وفقا لكل مضامين التراتبية السابقة ، ماهي حدود الفاعلية لدى الفواعل؟ كيف ينجز الفاعل فعله؟ ماهي المعطيات الأداتية التي تخول له القدرة على الإنجاز؟
هناك من حيث التراتب: الفاعل المركزي والفاعل الموازي الثاني. غير أن طبيعة التحليل تفترض سؤالا مشروعا: كيف نربط بين الشخصية كإطار للتصرف والفاعل؟ هل الفواعل يشتغلون في إطار مرجعي أم تخييلي أم هو بالأحرى تمثيلي؟ ذلك أن المحددات السابقة خلقت كيانات سيكو-نصية: شخصيات. وبالتالي يجب معرفة شخصيات الفواعل السابقين. بمعنى ما. فالصفات بالنسبة للشخصيات كالموجهات بالنسبة للفواعل. هذه النسبة هي جوهر ذلك الإشكال. اما الصور اللاحقة (الفارس- العالم ص: 135) فهي خارج النسبة.
أما من حيث الترتيب ف‘ن المركزية والموازاة بدرجتيها لا تؤشر على أي قيمة ترتيبية. ذلك أن الفاعل الموازي الأول في بعض المحطات الحكائية يغدو أهم من الفاعل المركزي ويضطلع في أحيان عديدة بأفعال مركزية يعجز الفاعل المركزي عن القيام بها (ص: 126) بل إن الفاعل المركزي يمكن اختزاله في ذراع الفعل أما الفاعل الموازي الأول فيمكن تمثيله بدماغ الفعل (ص: 131). دماغ الفعل هذا يحتاج إلى المحرك، إلى الفعل الموازي الثاني: الفاعل الأكبر والفاعل الوحيد على حد تعبير د.يقطين.
الفواعل في حاجة إلى أدوات للفعل. هنا يستعين التحليل بالمقومات والموجهات. ولئن كانت هذه الأخيرة من بواعث ما يجب أن يكون به الفاعل فإن المقومات تدخل في حد ما يجب أن يكون هو. وبالتالي يطرح أشكال النسبة السالفة. هكذا فإن الفاعل الموازي الثاني يهيمن عليه موجه الوجوب أما الفاعل الموازي الأول فيهيمن عليه موجه المعرفة بينما الفاعل المركزي يهيمن عليه موجه القدرة في حين أن موجه الإرادة -يستدرك د.يقطين- فهو مشترك بين مختلف الفواعل (ص: 137)، كيفيات الإشتراك في الموجه الواحد والعمليات التي تؤدي إلى هيمنة أحد الموجهات من بين آخر لا يتعلق بحدود المعطى والمبنى أو لضرورات تصنيفية ولكن تخضع لنظام عام داخل النظرية السيميائية الكريماصية.
الأدوات القيمية الجهية لا يمكن أن تؤدي إلى فعل الفاعل على أي جهة كانت. ولكن لمقاصد مخصوصة. ولما كان لكل الفواعل مقاصد فإن مجتمعية السيرة وعالمها يفرضان بالإضافة إلى التراتب أن تكون هناك تداخلات وتخارجات بين المقاصد. أي، أنه حيثما وجدت مقاصد هناكمقاصد مضادة وما بينهما مقاصد موازية.
هذه المقاصد تتوزع على الفواعل طبقا لبنيات عاملية محددة أفرزت هي الأخرى تصنيفيتها : الصاحب والخصم والقرين. صاحب الدعوى وخصمها وقرين الصاحب وقرين الخصم في لإطار علاقتي التبعية والسيادة. وهذا -يقول د.يقطين- ما استنتجناه بعد البحث والتحري (ص: 154). وعليه حاولنا الإمساك بالخطاطة العامة للبنية العاملية محاولين في الآن ذاته الإجابة على الإشكالات السالفة:
الشخصيات |
المرجعية (الإدراك) |
التخييلية (التصور) |
العجائبية (التمثل) |
الفواعل |
الفاعل المركزي (الإرادة- القدرة) |
الفاعل الموازي II ( الإرادة – الوجوب) |
الفاعل الموازي I (الإرادة- المعرفة) |
العوامل |
الصاحب (الفارس) |
الخصم (العالم)
|
القرين (العيار) |
3- ما يجري في:
لما كان فعل الفاعل هو مصدر الحكي. فإن الحكي هو قول في الزمان وقول في المكان وقول بالمجاراة لا بالإنقطاع. لكن إذا كانت الوظائف والأفعال ثابت صوري لمتغير نصي فإن الزمان والمكان لا يدرك تباتهما إلا في تناهيهما باعتبار ممارسة الذات الراوية ممارسة تقطيعية. إذن، ما هي تمفصلات الزمان داخل النص السيري؟ هل أفعال الفواعل تحصل ضمن زمان ما أم ضمن زمان كائن عام؟ أيمكن أن يتحقق الفعل النصي زمانيا من غير فضاء؟ أي، إمكانية امتلاء الزمان وإفراغ الفضاء؟
نعم، تلك بعض من إمكانيات تمفصل الزمان سيريا. لكن قبل المكاشفة يذكرنا د.يقطين بما حققه زمان الخطاب الروائي من تراكمات مهمة في مقابل السيمو طيقيين الذين لم يقدموا إنجازات مهمة على صعيد تحليل الزمان (ص: 163). ورغم هذا التقابل اللافتراضي فإن د.يقطين تبنى التمييز الذي أدخله بنفنست بين الزمان الفزيائي وزمان الأحداث والزمان اللساني.
ذلك التمييز، إذن، من تحديد ماهية الزمان باعتباره دالة ثابتة تشتق منها مباديء الدينامية وقوانين التحولات التي تخص أفعال الفواعل. لكن بالرجوع إلى العناصر النظرية لبنيتي الوظائف والفواعل فإننا نجد أن الدعوى هي صوغ عام لبنيات صغرى في جملة كبرى واحدة كما الشأن بالنسبة للفواعل. مما يدعو إلى التساؤل عن بنية الزمان. هل هي كذلك اختزال لبنيات زمانية صغرى في إطار بنية زمانية كبرى؟ هذا الإختزال في حدوده النظرية، أي إذا كانت الدعوى وفواعلها انتقلت من المستوى النصي إلى الصورنة فلكي تتيح تفعيل إجرائيتها على مستوى السير العشر الممكنة.فهل يستحقق الوصول إلى إجرائية الزماني أم سيتم اختزال أزمنة السير إلى بنية زمانية لها بداية ونهاية تخص السير العشر دون غيرها؟
نقصد بالبنية الزمانية الكبرى -يوضح د.يقطين- زمان القصة العام الذي ينظم كل السير الشعبية ويقدمها لنا كما حاولنا افتراض ذلك باعتبارها نصا واحدا (ص: 165). لكن التعامل مع النصوص السيرية باعتبارها نصوصا تخييلية من جهة (ص: 167) ومحاولة البحث عن ضبط مرجعي لزمانيتها المحددة من جهة أخرى (ص: 170) أفرز مفارقة تصنيفية تجلت في امتناع ضبط مسار زمني موحد للسير المعنية بالتحليل مما دفع بالباحث إلى التمييز بين:
– السير الأساسية التي يمكن تحديد زمانيتها و
– السير الموازية التي يظل تحديدها تقريبيا وعاما.
هذا التمييز يطرح بالضرورة كيفيات الوصول إلى البنية الزمانية الكبرى. هل من خلال ائتلاف الأساسي والموازي أم من خلال علاقات أخرى؟ نسمي العلاقات التي نتحدث عنها بصدد زمان القصة بأنها زمانية-يتابع د.يقطين- لأننا نبغي الإمساك بالبعد الزماني الذي يربط بين هذه السيرة (ص: 173) هذا الإمساك لم تتأت مشروعيته إلا ضمن المفارقة السالفة، أي أن هناك خطا أساسيا تنتظم فيه السير الأساسية باعتماد المرجعية وخطا موازيا تنتظم فيه السير الموازية باعتماد التخييلية. لكن مايوجب تفعيل التأمل هو القدرة المفهومية التي يبطنها التوازي. حيث أن مرجعيته الرياضية وامتداداته العلمية تطرح اشكال توظيفه. فما دام النص السيري نص واحد فعلى أي اساس نحدد علاقات الموازاة؟ بمعنى آخر، هل يتم توزيع الفواعل- الوظائف وفقا لانتظامات الزمان الأساسي ام الزمان الموازي؟
كل تلك الانتظامات -يقول د.يقطين مطمئنا- على الصعيد الزماني تبين لنا بما لا يدع مجالا للشك أن كل سيرة من السير ليست سوى وحدة حكائية كبرى ترتبط بغيرها بالصورة التي تمكننا من تشكيل ‘سيرة شعبية عربية كبرى” تتكون منالسير العشر التي تدرس ومن سير أخرى ممكنة أو كائنة ولم نطلع عليها (ص: 184). لكن نحن نسلم بمبدأ الترابط. ولكن كيف يؤدي إلى صوغ قاعدة عامة؟ أي، ماهو منطق الزمان في النص السيري؟
منطق الزمان-يستخلص الباحث- يقوم مبدأ الصراع. ذلك أن الصراع هو جوهر الزمان بينما أطرافه وجهاته هي الأعراض والتي تختلف باختلاف الأزمنة (ص: 185). هذا الجوهر يتحدد من خلال الإستباق الأكبر. بحكم أنه:
– لكي يجري شيء في الزمان لا بد أن يكون سبب سابق
– ما يجري الآن في الزمان هو تحقق لسبب وقع فيما مضى (ص: 186).
هذه القاعدة المنطقية ذات مضمون واحد بصورتين ومفادها أن: الدعوى سابقة من حيث الفعل ولاحقة من حيث الزمان. وهو قول تترتب عليه مقتضيات علمية وفلسفية وعقدية ونصية. ومن النصية سلب الفاعلية للشخصيات على مقتضى أن مايجري في الزمان هو مامضى وليس ما سيأتي ومن النصية العقدية القول بالتعالي الزمني ومن الفلسفية العلمية طرح مسألة حدود التعالي وكيف يتعالق مع المتخيل والواقعي والممكن.
هكذا إذن يتبدى أن التعالي الزمني وإن كان سمة مميزة وعامة لأوان الدعوى المركزية في السير العشر إلا أنه لم يحقق إجرائيته. فبغض النظر عن مستويات تفعيله على صعيد النصوص الأساسية من جهة والنصوص الموازية من جهة أخرى فهو لم يشكل بنية، أي، انعدام شروط العلاقية فيه. لذلك نجد أنفسنا – يقول د.يقطين- أمام ضرورة استدعاء مفهوم التاريخلوسم هذا الترتيب العام الذي يمتد على مرحلة طويلة من الزمان -وينبهنا أيضا- وبكثير من الإحتياط. وعليه فزمان القصة العام -يقرر د.يقطين أخيرا- يغطي حقبة طويلة تمتد من العصر الجاهلي إلى عصر المماليك -يضيف- ولسنا في حاجة إلى عناء كبير لإنبات هذه المرجعية (ص: 199).
كيف إذن يمكن الإنتقال مفهوميا من زمان المرجعية إلى زمان المتخيل؟ من زمان التاريخ إلى زمان السرد والعكس بالعكس.
المرجعي والتخييلي يطرح سؤال الإنتاجية وما يترتب عليه من أمور التحقيق والتحقيب. ولئن كان د.يقطين يفترض من خلال طول المعايشة والتأمل والتحليل أن انتاجية النص السيري وباعتماد الأنموطية قد تم في حقبة اجتماعية تاريخية وثقافية واحدة. بل إن مؤلفها النموذجي واحد وفي زمن واحد هو القرن الثامن الهجري (ص: 224) فإن ذلك لا يمنع من القول بصيرورة الإنتاجية وقابليتها للتشييد.(12)
وبعد، فالبنية الزمانية الكبرى (المرجعية) تمتد من العصر الجاهلي إلى عصر المماليك بالنسبة للسير العشر. لكن هل السير الممكنة والكائنة المغيبة تقع بالضرورة في إطار البنية الزمانية السالفة؟ هل كل نص سيرة آت هو محكوم بالمرجعية السالفة؟ أي، انتهاء زمان الإنتاجية بحكم أن كل سيرة شعبية قادمة هي محكومة بالتعالي الزماني لانموطية القرن الثامن وراويها.
إن القصد من هذه السؤلات هو الكشف عن تجليات مقولة الإطناب زمانيا من خلال السيرة الشعبية، ذلك أن تقطيعات الراوي ونتائج التحليل رواحت بين المرجعي والتخييلي مما جعل مؤشرات الكثرة الزمانية تضمحل لصالح القطع البروستي بدل اتصالية ليبنتز.
لعل من إبداعية القبلي في النسق الكانطي الإطار المقولي للزمان والمكان. وعليه فقد سبق التلميح إلى كون الفعل لا يتاتى للفاعل في الزمان من غير المكان، أي، لايمكن إفراغ الزمان مما يجري فيه لأي سبب كان من غير أن يتم ‘فراغ المكان. ذلك أن للزمان والفضاء -يصرح د.يقطين- خصوصية تميزها عن المقولتين الأوليتين. أي، الوظائف والشخصيات. لكن ما يمكن قوله عن الزمان ينسحب أيضا على الفضاء (ص: 237).
إذن، وحسب إمكان ما ينسحب، هل سيتم تحصيل نفس تصنيفية الزمان؟ أي، أن هناك فضاءات ترتبط بالمرجعي وفضاءات ترتبط بالتخييلي وفضاءات متعالية وعلى الأخص جملة فضائية كبرى تشمل السير المدروسة والكائنة والممكنة. لكن قبل ذلك، بأي معنى تتحقق تحولات الذا ت الفاعلة داخل الفضاء؟ هل بالفعل تخضع مجالات الذات (الهنا) والاخر (الهناك) لعلاقات تملكية أم أن الفضاء انجازي على مستوى الإدراك ولا يتعلق بأي قيمة وظيفية أو فاعلية (تاريخية)؟
نعم، فتلازم الزمان والفضاء يفرض القول بفضائين: الفضاء المرجعي والفضاء التخييلي. فما المقصود بهما؟ نقصد- يجيب د.يقطين- بالفضاءات المرجعية التي يمكننا العثور على موقع معين لها إما في الواقع أو في أحد المصنفات الجغرافية التاريخية القديمة (ص: 244) ونقصد بالفضاءات التخييلية مختلف لبفضاءات التي يصعب الذهاب إلى تأكيد مرجعية محددة لها سواء من حيث اسمها الذي تتميو به أو صفتها التي تنعت بها (ص: 246). بمعنى ما فصدقية الفضاء لا تتعلق بحكائية المتون العشر ولكن بتآلف متون أخرى. ذلك أن شروط العقدة الإستيتاقية بين الناظر ونصه تستند إلى معطيات خارج البنية.
وتبعا للقاعدة الإفتراضية العامة: السيرة نص واحد. فإن منطق العلاقات بين الفواعل لا يسمح بتصنيفية عامة وأحادية. مما يعني أن هناك تحولات في الفضاء واستثمارا لمجال الذات الفاعلة. الشيء الذي أدى إلى تمفصل البنية العاملية تبعا للبنية الفضائية. ذلك أن تسميتنا -يقرر د.يقطين – للفاعل المركزي معللة بامتلاكه مركزية محيطات منها القريب والبعيد (ص: 281) وأهمية الفاعل- لنستأنس بأندريه ميكيل- من أهمية فضائه 13.
لكن، أين الجملة الفضائية الكبرى؟أي، ذلك الفضاء العام الذي له بداية ونهاية ويشمل كل السير العشر. طبعا، فمقولة دار الإسلام ومركزيتها هي تجميع لفضاءات المرجعي. بينما الفضاء المتخيل يضمحل لصالح الإدراك من غير قيمة 14. إلا أن الشيء الأكيد أن الحديث عن استثمار الفواعل للفضاء لا يمنع من القول بخصوصية الفضاء النصية، أي، أنه مكون له نفس امتيازات الشخصيات كما باقي المكونات الأخرى 15.
ولئن كان ما ينسحب على الزمان ينسحب على الفضاء بدليل التلازم حسب د.يقطين فإن مشروعية الإطار النظري العام تخول البحث في إطناب المكان. لا بمعنى تلك الشساعة التي لدار الإسلام ولكن الشساعة النصية فالمركزية والمحيط تقول بالإمتلاك ( مهما كان التحول ) وينعدم فيها أي أساس للتفاعل- التواصل. وبصيغة أخرى، فالحديث عن فضاءات ذاتية يعني لا تجانس المكان وهذا محال على الافهام منجهة النظر والعمل.
وعليه فإن الخطاطة العامة لبنية الفضاء- الزمان جاءت صوغا مبينا على فراغات تجريدية وحذف معقلن بضوابط الإدراك نظرا لخصوصيتي المقولتين:
المستويات |
المتعالي |
المرجعي |
التخييلي |
المقولات |
|||
الزمان |
أوان الدعوى المركزية |
من العصر الجاهلي إلى عصر المماليك |
(-) |
الفضاء |
(-) |
دار الإسلام |
(-) |
4- مقاومة النص:
وبعد، فإن كان ما تقتضيه العبارة الواصفة هو ترتيب القضايا وتنظيم معالجتها (ص: 311) فإن من خاصات العمل أن لا يكون تجسيدا للنظر على فرض تجاوزه ولكنه محكوم بالعودة لإليه لتقييمه شرط الإبتعاد عن آفة التعليق.
وحكم القول في كل ما سبق أن من متون النص السيري الكائن ما اعتمل فيها المنهج على جهة من الوضع مقصودة ومنها ما اعتمل فيها المنهج على جهة من الوضع مخصوصة. مما يعني أن الإنتظام والاختراق ليس طرفين للتدليل على تداخل النظري والنصي ولكنهما أطراف أربعة: طرفين تامين وواسطتين غير تامتين:
– الإنتظام التام: ما وافق فيه العمل النصي نظر الواصف بغير عناد.
– الإنتظام الغير التام: ما وافق فيه العمل النصي نظر الواصف بعناد.
– الإختراق الغير التام: ما لم يوافق فيه العمل النصي نظر الواصف بغير عناد
– الإختراق التام: ما لم يوافق فيه العمل النصي نظر الواصف بعناد
وعليه فالصورة العلاقية لتداخل النصي والواصف تأخذ الشكل العام الآتي:
البنيات |
الوظائف |
الفواعل |
الزمان |
الفضاء |
التداخلات |
||||
الانتظام التام |
الدعوى المركزية |
الفاعل الموازي الثاني |
أوان الدعوى |
دار الإسلام |
الإنتظام الغير التام |
(من السير ما تعذر حصر ما يسند انبنائه) |
الفاعل الموازي الأول |
من العصر الجاهلي إلى عصر المماليك |
(ما قبل النبوة ما بعد النبوة) |
الإختراق الغير التام |
الفاعل المركزي |
|||
الإختراق التام |
(زمان المتخيل) |
(فضاء المتخيل) |
وقد حاول د.يقطين عبر بصرنة الإجرائي خلق كيان صوري 16. يضمن من جهة حصر الواصفات على الجملة ومن جهة أخرى كشف دينامية النص من خلال العلاقات والعمليات. ومن تم -يقول د.يقطين- استفدنا من انجازات المربع السيميائي والتطويرات التي أدخلت عليه خصوصا مع بتيتو لتقديم صياغة ملائمة ومقبولة علميا بالصورة التي لا تؤثر على تحليلنا واستنتاجاتنا الأساسية ( ص: 323). ولا يخفى على أحد أنه كما اشتغلت كل العلوم على المنهاجية الكريماصية فقد شغلت هي الأخرى العلماء باختلاف طرق نظرهم والمقاصد المتوخاة.
ولئن كان بتيتو ميز على الخصوص بين إمكانات المربع السيميائي من جهة كونه لا تحصل له قوانين صناعة الجبر المنطقي (منطق بول على التحديد) ومن جهة قابليته للاستثمار الكارثي فإن البنية الأولية بنية علاقية باعتبار الخطاطة وعملياتية باعتبار النموذج 17,
إلا أن المشتغلين بالمربع السيميائي-يقول د.طه عبد الرحمان- سواء في صورته المبسطة أو في إحدى صوره المعقدة لم تكن تعنيهم الوجوه التي تسهم بها هذه البنية المقدرة في اختصار النص المتولد منها بقدر ما كان يعنيهم عملية التولد نفسه. أو قل عملية ظهور النص. مختصرا كان أو مطولا. وإن كان رائدهم في ذلك غريماس-يضيف د.عبد الرحمان- قد تفطن إلى أن الألسنة لا تستخدم بالضرورة كل الإمكانات العلاقية التي ينطوي عليها نسق هذه البنية ولا تساوي فيما بينها في هذا افستخدام الدلالي-المنطقي.
ذلك افستخدام يترتب عليه الانتقاء. ومن تم تصنيف الثقافات على ضروب من الانتقاء. ولئن كانت العلاقة التقابلية بطرفيها: التطابق والتضاد علاقة استدلالية فقد وجب صوغ مبدا المقابلة- يستنتج د.طه عبد الرحمان- كما يلي: لتحكم على الشيء بعين ما تحكم به على موافقه. وبنقيض ما تحكم به على مخالفه إلا أن يدل دليل على خلاف ذلك18.
وبناء على ما سبق. فإن الجملة الحكائية الكبرى في النص السيري جملة مثيتة. أي، هي طرف واحد من علاقة التقابل ليس إلا. من تم، فإن نفي الجملة يعني تحقيق المبدأ السابق للمقابلة. ومنه أخذ التحليل على كشف تمفصلات البرنامج الحكائي المضاد. بل قل النص السيري المضاد 19. وتترتب عن كل هذا أقوال واصفة أخرى تخالف قصد المتلقي المتخلق بتكريسها للشر والنحس. ولكن تعضد القوة الإجرائية للمنهاج العام. فالراوي يقوم باحباط توقعات المستمع لا لأن احتمالاته مبنية على خطا الاستدلال وفساده ولكن لأنها مشروطة بسلطة راوي آخر ممكن. وكل ذي سلطة يخشى على سلطته.
أخيرا، ما مقتضى العمل من كل هذا الكلام؟ نعم، هو سؤال مشروع من القاريء الكريم. وكما هو معلوم فإن المشاريع التربوية الحديثة قوامها فهم كيفيات نمو التمثلات الذهنية لدى الأطفال قصد تسهيل تعلمهم وتسريعه. وبعبارة حكيمنا ابن البناء فإن شأن البسط تعليم الصغار. والبحث في بنية الواصفة للسيرة الشعبية سيمكن من:
1- ضبط نمو التمثلات في ذهن المؤلف النموذجي لأنموطية السيرة. أي كيف يبني الذهن نظاما ما؟ ثم كيف يشغله؟
2- ابداع نظام اشتغال ذاتي موجه بالحاسوب يجمع بالإضافة إلى المخزون المفرداتي للنصالسيري المحول العملياتي الذي يتضمن القواعد المنطقية العامة والعمليات الاحتمالية الممكنة. وذلك لتمكين المعطيات الرقمية من الإشتغال إشاريا وكهرطيسيا. والقصد من ذلك اقتصاد الجهد النظري والعملي للباحثين وتيسير معالجاتهم المقرنة والاحالية بله التحليلية. مثلا، كيف يمكن رصد المسارات التصويرية لتشاكل معين داخل متن يتكون من آلاف الصفحات؟
3- تسخير الجهود السابقة من أجل تربية النشىء على معالجة النصية التحويلية لتنميةعملياتهم الذهنية من جهة ووضع أسس حكايات سمعية-بصرية هادفة لأطفالنا مستوحاة من أصيل الحكاية العربية من جهة أخرى. ويا حبذاه من وضع. كما فهم القوى الانتاجية لفطريات الحكي.
– والسيرة المغربية:
ومتدارك القول لاتمامه أن الجهد العلمي المبذول في قال الراوي -وكغيره من الجهود المتميزة لباحثينا المتميزين- عنوان لإرادة ذات مفردة تقاوم إمكان المتاح وتعاند نص المتخيل بنص الواقع ومتخيل الشخوص بواقع الناس. فالسيرة الأخرى ( وهي أخرى بإمكان غير إمكان المتخيل لأن مصدوقها الخارجي متحقق لا متصور) والتي ألجمنا القول عنها لسياقية ما هي سيرة البحث العلمي.
ذلك أن سيرة المعرفة تقوم على مركزية الإنسان وقدرته لتحقيق دعوى الحقيقة. ليست حقيقة النص ولكن حقيقة الإنسان الممكن فينا. فمجتمعية السيرة (الأخرى) تقوم على استنهاض المغربي للدعوى معلومة في زمان هو كل الزمان المغربي وفي فضاء هو كل الفضاء المغربي.
تهديا بالصناعات السيمائية والخطابية والثقافية رمنا الإشتغال بتركيب كيفية الحكي لدى صاحب قال الراوي والتشاغل عن دلالاته اجتناب تأويلات لمتشابه. وأخذنا القول على وجازة ما أبطنت القصر دفعا للكمال ولكن لأن الأفهام إن أخذت على غير ما يجرها الإلف كان إقبالها على المخالفة أنع من أعراضها على الإختلاف وتلقيها للتدليل أعسر من قبولها للجمهوريات. وقد حاولنا لعلنا أو عسانا.
————————————————-
الهــــوامــــش:
(1) يقطين، سعيد (1997): قال الراوي (البنيات الحكائية في السيرة الشعبية) (المركز الثقافي العربي- الدارالبيضاء-بيروت) ط: 1. وهو تمفصل دال المسيرة البحثية للدكتور سعيد يقطين سواء بالنظر إلى الإشتغال العام للنص النقدي لديه أو بالنظر إلى سياقه الأكاديمي. والصفحات المقوسة تحيل إليه والـتأكيدات مقصودة.
(2) أثمر النظر في الواصف وجهات نظر خصبة وعلى التقريب:
– كريماص.أ.ج (1970): قول المعنى. I (سوي) وعلى الأخص المدخل العام بالإضافة إلى دراسات أخرى منها كريماص.أ.ج(1980): إضاءات حول اللغة الواصفة.
– بتيتو-كوكوردا.ج (1985)أ): أشكال تولد المعنى. I (المنشورات الجامعية الفرنسية).
– الانتاجية الكاملة لفيتغنشتاين.
3- “إني أقدر النص حق التقدير “انظر:
– كريماص.أج.(1987): أسئلة السيميوطيقا. ترجمة: د.نوسي عبد المجيد. الملحق الثقافي لجريدة الإتحاد الإشتراكي(ع.18 أكتوبر 1996) ص: 4-5.
4- مفتاح.محمد(1999): المفاهيم معالم (المركز الثقافي العربي)ط.1.ص: 150.
5- يقطين، سعيد (1994): ذخيرة العجائب العربية، سيف بن ذي يزن. (المركز الثقافي العربي).
رغم الضرورات المنهجية التي تفرض القول بأن الكلام والخبر (يقطين سعيد، 1996) هو جملة النبوءة بالنسبة لكتاب قال الراوي فإن ذخيرة العجائب هي روح التحليل العام. وأقرب الأمارات إلينا الخطاب الاستهلالي لكل فصول الكتاب من متن سيرة سيف بن ذي يزن.
6- “وإن أشير إلى خصوصية هذا السرد أشير إلى خصوصية تحول المجتمع العربي وتطوره وإلى خصوصية الذهنية العربية التي انتجت هذه النصوص” انظر:
– حوار مع سعيد يقطين. مجلة الثقافة المغربية. ع1س.1 ماي-يونيه 1991.ص:46-50.
7- بورديو. بيير (1987) ممارسة علم الإجتماع الإنعكاسي. ضمن:
بورديو. ب وفاكونت. ح.د (1992): أسئلة علم الإجتماع – في علم الإجتماع الإنعكاسي. ترجمة : عبد الجليل الكور. اشراف ومراجعة: محمد بودودو (توبقال للنشر -الدار البيضاء) ط. 1ص: 171.
8- اطلان.هنري(1997) العقلانية العلمية وعقلانية الأسطورة ضمن: العقل ومسألة الحدود (الفنك للنشر) تحت إشراف: علي بنمخلوف. ط. 1ص: 50.
وانظر أيضا: مفهوما القاعمة والقمعدة في:
مفتاح، محمد(1990): دينامية النص( تنظير وإنجاز) (المركز الثقافي العربي) ط: ص: 60 وما يليها.
9- لايخفى أن الفاعل لا يمتلك أدوات الفعل جملة ولكن عبر مرحلية خاصة لهذا شرعية التماثل البنيوية بين الوظيفة البنيوية والوظيفة المركزية من جهة وبرنامج الاستعمال والبرنامج الأساسي من جهة أخرى. وقد سبق أن أشرنا على تماثليه البنية الوظيفية بين د.سعيد يقطين والعمل التأسيسي لبروب. انظر:
– الكوش، حسيب(1998): التلقي والتأويل: تجنيس المقاصد. جريدة المنظمة.ع. 432.ص: 7.
10- اليابوري، أحمد (1994) الانشطار النصي. نص مداخلة في ندوة (النص: الانماط والمكونات ) بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال يومي: 9-10 فبراير (تسجيل خاص).
11- هينيتكا يتحدث عن مفهوم العالم البديل أو لا( µ) ثم العالم الممكن من بين عوالم أخرى وأخيرا العالم الممكن.
12- بوحسن، أحمد (1996) مفهوم التحقيب وتاريخ الأدب. ضمن: إشكال التحقيب. تنسيق: مفتاح محمد، وبو حسن أحمد. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.ط.1. ص: 29-40.
– بوحسن، أحمد (1997) تشييد مفهوم الأدب في كتاب “ثورة الأدب” لمحمد حسين هيكل. الملحق الثقافي لجريدة الإتحاد الإشتراكي ع: 498 ص: 4-5.
13- نقلا عن الشاذلي، مصطفى (1981) مرجع لاحق.
14- يعتبر مفهوم الغطاء التصويري مرتكزا أساسيا لفهم تمفصل المكان إدراكيا وقيميا. انظر:
-نوسي، عبد المجيد(1995): المتخيل والمكان (دراسة في رواية الغربة لعبد الله العروي) نص مداخلة في اليوم الدراسي الذي نظمته مجموعة “البحث في تاريخ العقليات” حول: المتخيل والثقافة بدكالة يوم 8 مارس (تسجيل خاص).
15- الشاذلي، مصطفى (1981): المكون الفضائي في الحكاية الشعبية : إعمال نظر. ندوة البحث اللساني والسيميائي. منشورات جامعة محمد الخامس، كلية الآداب ط.1. ص: 438-446.
16- إن التشكيل البصري للمفهومات في إطار خطاطات يشكل علامة أيقونية في حاجة إلى البحث والتأمل ومنه هندسة المعنى ومواقعيته.
17- للاطلاع الجامع حول إشكالات المستوى العميق للدلالة والبنية التصنيفية للمرجع السيميائي.
انظر: الشاذلي، مصطفى (1995): سيميائيات: تجديد النظر المعرفي في الدلاليات النصية (منشورات كلية الآداب- جامعة محمد الخامس) ط.1 ص: 93-97.
وللتوسيع:
-بتيتو-كوكوردا، ج (1985أ) م. س. وأيضا (1982) في صورنة البنية: تطبيقات سيميو كارتية (أربعة أجزاء) وهي أطروحته لنيل دكتوراه الدولة (منشورات مدرسة الدراسات العليا للعلوم الإجتماعية).
18- عبد الرحمان.طه (1995): البنية التقابلية للسان العربي. في: فقه الفلسفة 1 -الفلسفة والترجمة (المركز الثقافي العربي)ط. 1. ص: 393-398.
19- لا يجب أخذ النفي على أنه ما يستحيل كونه والإثبات ما يستحيل عدمه.