تحليل الخطاب الروائي نموذجا
محمد بنسعيد
http://www.bhamdaoui.com/articles/bensaid.html
تمهيد
-1-
نناقش في هذه الفقرات مكونات النظرية الروائية عند سعيد يقطين من خلال كتابه”تحليل الخطاب الروائي (الزمن-السرد- التبئير )”، ونلفت الباحثين إلى أن طرح عنوان الكتاب بهذه الصيغة يكاد يجيب على السؤال الأساسي المتعلق بنظرية الرواية ، ويجعل المتتبع يدرك مسبقا أن ما سيقرؤه من خلال الكتاب ليس سوى تفصيلات وتنويعات لما أجيب عنه في العنوان، فالرواية تكاد تتلخص في عناصر بنيوية ثابتة: الزمن والسرد و التبئير، إن هذه العناصر بلغة المناطقة ليست جامعة ولا مانعة، فهي من هذه الزاوية لا تجيب على السؤال المركزي الذي يسعى يقطين من خلال مشروعه للإجابة عنه، ولذلك فإن السؤال النقدي حول ماهية الرواية يبقى دائما مطروحا ليس بسبب صعوبة الإجابة عنه، بل لتعدد الجهات التي ينبغي أن تتدخل في الإجابة، ومن هنا نستطيع أن نفهم التعدد النقدي والنظري الذي نلحظه في النقود التي تناولت الرواية والنقد الروائي، فالاختلافات الجوهرية بين النقاد لا ترجع في نظرنا إلى الاختلاف في المنطلقات النظرية وحدها، بل ترجع بدرجة أكثر جدية إلى الجهة التي تتدخل في الإجابة عن السؤال النقدي، وإلا كيف نفسر القراءات المتوالية للأثر الروائي رغم اتصافه بالوحدة والاستقرار، إن النص الواحد ينتج نصوصا أخرى على هامشه، هذه النصوص الهامشية التي لا نعيرها اهتماما – في أغلب الأحيان- هي التي تؤسس النص الروائي وتضمن له الاستمرارية، وليس هذا الأمر بدعا من القول: فتاريخ الأدب يخبرنا أن الروايات الجيدة لم تقرأ في وقتها، ولعل هذه الظاهرة تحفظ النص من التسرع وتترك له الفرصة ليحتك بنصوص أخرى موازية.
إن تحديد المكون بالمفهوم النقدي يعني البحث في وجهه الثاني/المضمر، فالمكون يحيل إلى الجوهر، ومن ثم يكون التعريف بالمكون في نظرنا أرقى أنواع التعريف لأنه لا يعتمد العوارض الزائلة، فقولنا مكونات الخطاب الروائي تعني بدرجة أساسية العناصر البنيوية التي تحضر في الجنس الأدبي على وجه التغليب لا على وجه الاختصاص وإلا فإن حدود الأجناس الأدبية نفسها غير واضحة في أكثر الأحيان إذا استثنينا الشعر، هذا الموقف الأولي من محددات المكون نعتبره أساسيا حتى نفهم الإطار النظري للمفهوم، فهذا المصطلح ينتمي إلى حقل بعيد كل البعد عن الأدب والنقد، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه مفهوم ديني بامتياز فالتكوين والمكون كلها تحيل إلى مفهوم الخلق الأزلي سواء في الكتب السماوية أو حتى في بعض الشرائع الكونية، كما يتبدى بوضوح في بعض الملاحم، كملحمة كلكامش على سبيل المثال، ومن هنا فإن مناقشة هذا المفهوم ينبغي أن تستحضر هذا البعد الثقافي، لأن ذلك يعني أن صفة المقدس هي التي تحدد كينونة المفهوم، فالمكون البنيوي من هذه الزاوية هو مفهوم مقدس وبالتالي فهو متصف بالانغلاق والانتهاء لأنه معطى ينبغي أن نتعامل معه كمفهوم جامد، على أن النقد عندنا قلما ينتبه لمثل هذه الإشارات الثقافية بسبب أننا نغلب المفهوم اللغوي إذ يتجه التفكير حينما نتعامل مع المفاهيم إلى الجذور اللغوية أكثر مما يتجه نحو الإحالات التاريخية والثقافية، ومن هنا تصبح المفاهيم جامدة، إن مفهوم المكون بالمعنى الذي أشرنا إليه يعني الثابت الذي لا يمكن التصرف في شكله أو حتى في بنيته، فهو أصل التشكل الأجناسي، ومن هنا نصل إلى حقيقة ينبغي مراعاتها أثناء التعامل مع المفاهيم هي كوننا لا نبحث في الماهيات، فعلى سبيل المثال – وسنرجع إلى التفصيل في ما يأتي- يحتل مفهوم الزمن عند يقطين مساحة واسعة في تنظيره لمكونات الرواية العربية، لكن مفهوم الزمن أصلا ليس مفهوما أدبيا نقديا وبالتالي ما نقوم به، وعينا بذلك أم لم نكن واعين، ليس هو التنظير النقدي التأسيسي لعمل نقدي أدبي وإنما نقوم باختبار المفاهيم ذات الصلة بميادين تكون عادة بعيدة عن المجال الذي نشتغل فيه، وهذا ما يخلق أزمة الجنس الأدبي بما في ذلك النقد الروائي باعتباره يشتغل على هامش الإبداع الروائي، فالأزمة إذا وجدت في الجنس الأدبي فهي ظاهرة طبيعية،هي نتيجة للمعطيات النظرية والخلفيات التاريخية و الدينية، وليست أزمة داخل الجنس ذاته.
هكذا يكون المكون ذا بعد ثقافي يتصف بالقدسية والإطلاق وما ينتج عنه بالضرورة يجب أن يتصف بدوره بهذه القدسية المعرفية التي تعطيه السلطة للتأثير والاحتواء، ما حدث في الرواية العربية أنها حاولت إلى وقت قريب احتواء أجناس أخرى وأبعاد ليست من مجال اختصاصها، فكانت أثناء اشتغالها تقصر عملها على ما يوحي به الآخر، فلم تكن تشتغل من داخل الجنس بقدر ما كانت تشتغل بدوافع خارجية، وهنا نستحضر المطارحات الكثيرة سواء في المغرب أو المشرق بين من يعتبرون الشعر ديوان العرب في العصر الحديث وبين من يعتبرون أن الرواية قد أزاحت الشعر عن المكانة التي احتلها في هامش الإبداع العربي ، ونحن لا يهمنا دوافع الفريقين بقدر ما يهمنا أن النقد لم يشتغل يوما على أساس تأسيس الجنس الأدبي من الداخل بغض النظر عن مسيرة الأجناس الأخرى، وإنما بقي دائما في هذه الدائرة ولم يخرج عنها، وهذا يرجع في نظرنا إلى عاملين اثنين: فمن جهة لم تزل سلطة الشعر هي السائدة قياسا إلى الكم الهائل من الدواوين المطبوعة مقارنة مع الرواية، ومن جهة أخرى تنامى الاهتمام بالثقافة السردية بشكل غير مسبوق سواء من خلال النقد الأكاديمي أو من خلال الصحافة والدوريات، وهذه الظاهرة جعلت الأجناس الأدبية تشتغل من خلال تبادل الأدوار بشكل دائم.
إن ارتباط المكون بالخطاب يوضح الصبغة الدينية للمفهوم، فالخطاب في عموميته يتصف هو الآخر بالقدسية من زاوية التحليل الثقافي كما أشرنا إليها سابقا: الخطاب الديني هو بهذا المفهوم مكون أي مخلوق، ومن هنا لا يمكن أن نفهم الخطاب بدون مكوناته أي عناصره المكونة، وهذه العناصر المكونة هي نفسها التي نجدها في أجناس أدبية أخرى كالشعر والملحمة على أساس ديني دائما، وهي أن عملية الخلق/ الإبداع/ التكوين، تكون في الأصل من عناصر واحدة، فكل المخلوقات الحية تتكون من نفس العناصر، لكن هذه العناصر تتبدى بأشكال مختلفة في هذه الكائنات، ما يحدث هنا في المفهوم الثقافي للمكون والخطاب يحدث للأجناس الأدبية، فسلطة التخييل حاضرة بشكل عرفي في الشعر، ولا يمكننا أن نختلف – مهما اختلفنا- على إسقاط عنصر التخييل من الشعر، لكن في المقابل تظل سلطة التخييل حاضرة في الرواية أيضا، ولو بشكل باهت أحيانا، و لا نستطيع أن ننفي صفة الرواية عن هذا الجنس إذا ما غاب عنصر التخييل، وهو ما عبرنا عنه سابقا بالتغليب ،فكما أن الخطاب الروائي هو في جملته عنصر مكون من أجزاء: اللغة، السياق،الأعراف…وهي عناصر يمكن أن ندرسها منفصلة باعتبارها مكونات جديدة تؤسس عالمها الخاص، فإننا في المقابل لا نستطيع أن نتناسى أن الخطاب نفسه يتجاوز هذه العناصر، وكل خطاب ينتج خصائصه وبالتالي ما ينتج عن هذا التحليل هو أن الخطاب ليس أحادي المفهوم، وأن التحديد المدرسي يراد منه صياغة أنماط معرفية جاهزة ليس من أجل احتواء الجنس الأدبي، وإنما من أجل احتواء تاريخ المفهوم النقدي ذاته، وهنا لا يسعنا ونحن نتعامل مع مفاهيم النقد الروائي إلا أن نؤكد أن احتواء تاريخ المفهوم النقدي هو السبيل للتغلب على الفوضى المفاهيمية، فوضى العقل المنتج للخطاب النقدي.
الخطاب النقدي يستمد مشروعيته من عناصر التحليل التي يعتمدها، فغاية ما يسعى النقد إليه- على الأقل- هو أن يصوغ مقولاته النقدية بنوع من الوعي المنهجي خاصة الوعي بتطور المفاهيم الإجرائية وتأثيرها في مسيرة العقل النقدي، فمفهوم النقد لم يعد هو ذلك الوعي التقليدي بالظواهر اللغوية والبلاغية، وإنما يتعدى ذلك إلى البحث في نظم المعرفة وتاريخ العقل ، وإذا كان النقد الروائي قد استطاع -في المغرب- أن يؤسس مجموعة من الرؤى تخص المتن الروائي قراءة وتفاعلا ،فإنه في الوقت ذاته مدعو إلى البحث في هذا العقل نفسه: العقل النقدي وآليات اشتغاله. وأعتقد أن جوهر عملنا هنا يتمحور بشكل أساسي في رصد طرق اشتغال النقد في المتن الروائي، فاهتمامنا ينصب في هذا الفصل على عناصر التصور النظري لنقد الرواية، أو ما نسميه بعناصر التكون: أي العناصر المؤسسة للخطاب الروائي، وعند استقراء المتن النقدي لسعيد يقطين تبين لنا أنها لا تخرج عن ثلاث ثنائيات تتداخل في ما بينها إلى درجة يصعب في كثير من الأحيان تبين حدودها ، ومع ذلك سنحاول أن نتتبعها بالدرس والتحليل، نلخص هذه الثنائيات في العناصر التالية تمهيدا لدراستها:
الأدب/ الأدبية.
الجملة الروائية/ الخطاب.
الخطاب الروائي/ النص.
بعد بحث ما أسميناه بعناصر التكون سنبحث الخلفيات النظرية التي تؤطر النقد الروائي عند سعيد يقطين وذلك من خلال فحص المدارس النقدية الروائية التي استلهم منها المفاهيم الإجرائية، ونصنفها حسب أهميتها من حيث الحضور، ومشروعية هذا العمل تكمن في أنه يمكننا في الوقوف بعمق عن محددات معرفية تؤطر الرواية العربية سواء في المشرق أو المغرب، وبالتالي نستطيع أن نحكم على أطر العقل النقدي الروائي ومدى وعيه بأدواته وطرق اشتغاله، إن التفاعل القائم الآن بيننا وبين المناهج الغربية – والذي لا يستطيع دارس نكرانه- يجعلنا نبحث عن هويتنا النقدية بالطرق نفسها التي يشتغل بها النقد الروائي في الغرب، وهنا نعتقد أن السؤال المركزي الذي يطرح: إذا كان النقد الروائي عندنا يتخذ من النقد الغربي ملهما لتغطية مستجداته النظرية والتطبيقية، فما جدوى النقد عندنا، وما مشروعيته التاريخية والفنية؟.
-2-
تؤسس النظرية النقدية عالمها من التفاعل بين النص الإبداعي والعوامل الخارجية(الأطر الثقافية والمعرفية) وتسعى- مثلها في ذلك مثل كل نظرية- إلى بناء أنساق مرجعية تضمن بواسطتها الحد الأدنى من المعقولية والانسجام.وهو موقف مشروع تمليه الرغبة الشديدة في التقعيد والاقتراب أكثر من محاولة تقنين الضوابط النقدية تيسيرا لفهمها وأحيانا إسراعا بتجاوزها،إن التفكير في الأنساق سواء في النظرية النقدية الغربية، أو في المحاولات العربية، يؤكد أن الاتجاه السائد اليوم في النقد الروائي هو البحث في الأنساق الفكرية والثوابت العقلية/الإبداعية أكثر من البحث الممارسة النقدية، وهو ما يجعل من الممارسة النقدية الروائية تتداخل مع مستويات معرفية أخرى تجعلنا بالفعل نقف حائرين أمام كثرة الدوائر المتداخلة في النقد، ونعتقد أن النقد الروائي العربي سيجد نفسه في آخر الأمر داخل النقد الثقافي بمعناه الواسع، ليتجاوز حدود التعامل مع النص الإبداعي المختزل غالبا في الرموز اللغوية التي تمليها البنية النحوية والنسق التركيبي الذي يتحكم في طريقة التفكير، فيجعل جوهر النقد الروائي لا يتعدى اختزال الواقع والدوران في فلكه.
تتحكم الأسس النظرية في البناء الهرمي للنقد الروائي، وتوجه القراءة نحو تأسيس نص نمطي /مرجعي، وهي غاية مشروعة على اعتبار أن التفكير في المرجع أصبح اليوم مكشوفا، ولم يعد أحد يتحاشى الحديث فيه، فالأساس المرجعي النظري يجعل التفاهم ممكنا، بل بدونه لا يمكن أن نتصور قراءة روائية يتفق حولها اثنان، ومن هنا فإن الأسس النظرية تعد بمثابة ميثاق للقراءة ينبغي احترام بنوده والعمل على تطبيقها، وكل أساس هو بنية() مصغرة تتراءى فيه الأسس أو المكونات الأخرى، إلى الحد الذي يستحيل معه فهم البنية دون فهم كافة مكوناتها.صحيح أن البنية الروائية تختلف من حيث تمظهراتها عن البنية في حقل العلوم الدقيقة، ولكننا مع ذلك نعتبر أن الحديث عن بنية /أو ظاهرة نقدية روائية ممكنة، إذا اتجهت دراستنا إلى الجوانب الثابتة في الكتابات النقدية بدلا من الأفكار المتغيرة المحكومة بتمظهرات التقليد والنظر إلى ما عند الآخر، وهنا يحسن بنا أن نراجع الكتابات النقدية في مجال نقد الرواية وتلمس الجوانب المشتركة بين النقاد علنا نصل في آخر الأمر إلى ثوابت منهجية نعتمدها لحصر الظاهرة الروائية ودراسة سيرورتها وقابليتها للنمو والابتكار.
يكشف سعيد يقطين في “تحليل الخطاب الروائي”() عما أسميناه بالمسلمات النظرية للنقد الروائي، وهي مسلمات تضع أولى شروط الفهم والقراءة، إنها بمثابة ميثاق للقراءة لا يتوخى الإقصاء بقدر ما يتوخى وضع الشروط الأساسية للتفاهم ما دام الناقد – في نظرنا يشعر- بأن أي قراءة نقدية قد تفشل في زحمة القراءات المتعددة للنص الواحد، القراءة نفسها تصبح بلا جدوى في غياب ميثاق للقراءة بين الناقد والقارىء .
مسلمات النقد الروائي عند سعيد يقطين:
1- المسلمة الأولى: مكون الأدبية.( الخطاب الروائي،من الأدب إلى الأدبية).
يتبادر إلى الذهن، حينما نقرأ هذا العنوان، أن الخطاب الروائي مر بمرحلتين حاسمتين: مرحلة الأدب ومرحلة الأدبية، فإذا كان هذا الطرح صحيحا من الناحية النظرية على أساس أن الأدبية هي مرحلة متطورة من مراحل الخطاب الروائي، فإننا نقف أمام مفهوم الأدب والأدبية كما لو كنا نريد أن نجمع بينهما في خانة واحدة، أو بقليل من الجهد كأننا نحاول أن نهدم ما بينهما من فروقات لنقلص المسافة بينهما، إن مرحلة الأدب – في مسيرة النقد الروائي المغربي- كانت مرحلة واضحة أمام رد الفعل العفوي الذي صاحب حركة التأصيل لنقد عربي مختلف ومتميز ” في النقد المغربي، منذ بداية تلمسه لوجوده إلى اليوم، هناك حضور واضح وكثيف للمرجع من حيث هو سلطة منهجية ومعرفية، وهذه الكثافة لها سياق ثقافي يرتبط بالسؤال الشاغل للثقافة المغربية إلى اليوم، وهو سؤال الهوية، أو كيفية إعادة بناء شخصية وطنية متفتحة، متصلة بالعالم، لأن الهوية كانت تفرض على النقاد ليس فقط أن يظهروا كونهم متغايرين مع الذين ينقلون عنهم، بل كانت تفرض عليهم منذ الأربعينيات والخمسينيات أن هؤلاء الأدباء لهم الكفاية في التصرف في هذا المرجع أيا كانت مقصديته.”() إن البحث عن هوية نقدية تأسيسية في الكتابات الأولى أجلت النقد الروائي بالمعنى المتداول الآن، ولعل الملاحظة السابقة التي أوردها عبد الحميد عقار لها ما يدعمها، ومن هنا الدعوة المتأنية إلى إعادة التعامل مع النصوص الروائية الأولى، على أساس أن النقد لم يكن في يوم من الأيام مواكبا لها، فقد قرأت قراءات متسرعة بفعل الظروف التاريخية التي أنشأتها، خاصة الأبعاد القومية والحركة الوطنية والصراع السياسي، وهو ما جعل الكثير من الباحثين يتوقفون عند علاقة النقد بالإديولوجيا()، نشير إلى أن مفهوم الأدب ارتبط بميدان بعيد عن الرواية، إنه أساسا ما أطلق عليه الشكلانيون الروس “الشعرية”، ومع أن مفهوم الشعرية هو الآخر مفهوم فضفاض وغير محدد فإنه اعتبر كافيا للتعبير عن الأبعاد الجمالية والفنية الجديدة التي صاحبت ظهور النقد الجديد، وللمتتبع أن يتساءل عن السر وراء هذا المفهوم الجديد للأدب الذي حاول أن يتجاوز المتعارف عليه في نقد الأثر الفني، في الوقت ذاته اتخذ من النص القديم متنا لتجريب أدواته وطرق اشتغالها، نحن نسجل هنا هذا التناقض الذي أملاه الدرس النقدي : من جهة هناك دعوة صريحة لتجاوز الأنماط التقليدية في نقد الأدب وقراءته وتذوقه، ومن جهة أخرى يسعى هذا النقد إلى خلق روابط مع الأدب الذي يحاول التخلص من رقابته، شيء كهذا حدث و ما يزال يحدث في النقد الروائي العربي: ندعي أننا بإزاء البحث عن نظرية روائية عربية في النقد في الوقت الذي لا نكف عن ملاحقة النظريات الغربية .
في المستوى الثاني من دراسة مفهوم الأدب – على الأقل بعيدا عن المعنى المتداول- سيقترح يقطين تعريفا مهما استقاه من “أيخنباوم”، يشرح الانتقال المفاجىء لموضوع الأدب من المعنى العام إلى معنى أكثر عمقا : ” إن موضوع العلم الأدبي يجب أن يكون دراسة الخصيصات النوعية للموضوعات الأدبية التي تميزها عن كل مادة أخرى، وهذا باستقلال تام عن كون هذه المادة تستطيع بواسطة بعض ملامحها الثانوية أن تعطي مبررا لاستعمالها في علوم أخرى كموضوع مساعد”()، إن مشروعية هذا النص من الناحية النقدية تكمن في
كونه سيجرد” الأدب” من سلطته المرجعية، باعتباره لم يعد قادرا على احتواء الطموحات النقدية الجديدة، في هذا السياق نستطيع أن نفهم اتصال لفظة “أدب” بلفظة “علم” ونزوع النقد الروائي إلى التركيز على الخصائص النوعية ، أو بتعبير ” جاكوبسون” ” ما يجعل من عمل أدبيا.”() .
إن مناقشة مفهوم الأدب في النقد الروائي الغربي وما سينتج عنه من كتابات لاحقا، يختلف من حيث المضمون – وهو ما لم ينتبه إليه الدرس النقدي العربي- عن مفهوم الأدب عندنا، ففي الوقت الذي تجاوز فيه النقد الغربي القيمة الأخلاقية للأثر الفني، نجد أن النقد عندنا لم يستطع ذلك بسبب سيطرة اللغة بطقوسها الأخلاقية، وقد نتج عن هذه الوضعية إنتاج نقود غاية ما تسعى إليه هو الرفض أو القبول للأثر الفني، مستبعدة أي نقد للنص أو كشف جمالياته، لا شك أن هذه الوضعية لم تدم طويلا خاصة أن النقد العربي في المغرب استطاع في مدة قصيرة أن يقرأ – سواء عن طريق الترجمة أو التتلمذ المباشر- أهم النظريات النقدية في مجال الرواية وهو ما سيزكي البحث في ما يسميه سعيد يقطين بالنظرية النقدية العربية في مجال الرواية. لكن المسألة التي تطرح دائما حينما نواجه مشكلة الهوية النظرية سواء في النقد الروائي أو غيرها من الأجناس الأدبية، هي أننا نتحدث عن نظرية نقدية دون أن يكون لدينا الاستعداد لإنتاج نظرية معرفية في الأدب، هذا الفراغ المنهجي نملؤه غالبا بالاستعانة بالخلفيات النظرية الأوربية بعد أن نفرغها من مضامينها الثقافية والسياسية، فننتج نسخا مشوهة لنظريات غربية، ولا نستطيع مع ذلك تأسيس نظرية عربية روائية ،ولا نسهم في الوقت ذاته في تطوير النظرية الغربية، بكلمة واحدة: إننا نقوم بمشكلتين في لحظة واحدة: نشوه النظرية الغربية لأننا لا نحسن القراءة ولا نتمثل الخصوصيات، ونبتعد عن الهدف الذي نطمح إلى بلوغه وهو أن إنتاج نظرية نقدية روائية عربية أصبح من آكد اهتمامات المتخصصين في النقد الروائي.
إن المفتاح الأول لأي نقد روائي هو إرجاع القراءة إلى مجال الأدب، ولعل هذا التمييز من شأنه أن يقلل من عدد الاحتمالات القرائية، فهو يبعد القراءات القريبة من مجال الأدب مثل القراءة التاريخية أو القراءة الفلسفية بتأكيده التَّوَجُّهَ الأدبي، بمعنى أن هذا التحديد ينطلق من فكرة تقليص المرجع لتكون صياغة عقل نقدي روائي نابعة أصلا من الأدب – المجال الحقيقي والشرعي للرواية- ولعل هذا التوجه يطرح مشكلة التداخل الكبير في بعض الأحيان بين ما ينتمي لنقد الرواية وما ينتمي لحقول معرفية أخرى، فالنقد الروائي استفاد مما وصل إليه الدرس اللساني ووظف بعض فروع علم الاجتماع وعلم النفس، مما يجعل من فكرة تقليص المرجع مهددة باستمرار، ليس فقط داخل النقد الروائي، بل أيضا داخل هذه الحقول نفسها.
إذا حاولنا أن نختبر أدبية الرواية نقديا، سيكون من السهل أن نراجع تاريخ السرد والتطورات الكبرى التي رافقته في مسيرته حتى الآن، إن سعيد يقطين من خلال قراءته يحاول أن يتلمس نظاما لأدبية النص- مطمئنا إلى النتائج التي توصل إليها تودوروف- من خلال ثلاث مراحل حاسمة في تاريخ الأدب:
1- مرحلة المحاكاة.
2- مرحلة النظام.
3- مرحلة التوفيق.
واضح أن سعيد يقطين مقتنع تماما بأن هذا التقسيم يستوعب تاريخ الرواية وبالتالي تاريخ النقد ذاته ما دام النقد الروائي كان دوما مصاحبا للإبداع، لمننا نرى أن هذه المراحل لا تستوعب كافة الأشكال داخل الحقل الواحد فكيف بكافة الحقول، فالأمر عندنا يتعدى مسألة تحديد مراحل تاريخية معينة، فمرحلة المحاكاة- إذا افترضنا أنها مرحلة قائمة فعلا- لا تقوم إلا على مثال سابق وهو أمر محسوم منطقيا، وبالتالي فالقول بأن تاريخ الرواية /تاريخ العقل النقدي هو من صميم المحاكاة ينبغي أن يراجع إلا إذا استطعنا أن نحدد الأشكال السردية الأولى التي قام عليها النقد أو الفعل الإبداعين، إذا عدنا إلى الأشكال الأولى، ولنأخذ الملحمة نموذجا، نفهم ببساطة أنها شكل شعري بمواصفات حكائية، في نقودنا العربية الروائية يصعب جدا الانطلاق من هذا الأساس، فالقول بالمحاكاة في الممارسة النقدية العربية يحيلنا إلى بدايتين متميزتين في تاريخ الرواية، فمن جهة البداية الغربية التي تعتمد الملحمة الإغريقية نقطة بداية على أساس أن الرواية هي برجوازية العصر الحديث، على ما في هذا الكلام من تعميم، ومن جهة أخرى تواجهنا الكتابة العربية بنقطة بداية جديدة هي لحظة الاتصال بالآخر، خاصة الرواية الفرنسية، فنحن نستطيع أن نفهم لماذا اعتبرت الرواية محاكاة في أوروبا، ولكننا لا نستطيع أن نفهم لماذا يصر النقد الروائي عندنا دائما على هذا الاعتبار، رغم أن الظروف التي عاشتها الرواية الأوربية ليست هي نفسها الظروف التي عاشتها الرواية العربية، فإذا كان هذا الاحتمال صحيحا فإن الرواية العربية تكون بعيدة عن منبع المحاكاة بدرجتين: بعيدة عن الأصل الإغريقي بخلفياته الفكرية وأسئلته النقدية، وبعيدة في الوقت نفسه عن المنبع الأوربي الذي تعتبره الرافد الأول لها سواء على مستوى الممارسة الإبداعية أو على مستوى التنظير النقدي، ولعل زاوية النظر هذه من شأنها أن تجعل الرواية العربية في سياق ثقافي عالمي ينفي تميزها ويقتل خصوصياتها، وبطيعة الحال فإننا لا نستطيع علميا أن نذهب في هذا الاتجاه رغم أنه أصبح الآن “موضة” العصر، ونفضل الحفاظ على الخصوصيات الثقافية للرواية العربية، حتى الآن لا نستطيع أن نؤكد أن الرواية العربية تستطيع أن تحاور الرواية الغربية بالشروط الأوربية، مع أننا نؤكد في الوقت ذاته على التميز أو حق الاختلاف().
في المرحلة الثانية اتجه النقد الروائي بجدية أكثر إلى تنظيم آليات اشتغاله، والبحث في الأسس النقدية والإبستيمولوجية، وهي قفزة نوعية، يكاد النقاد يجمعون على أهميتها في تاريخ النقد الروائي، إن التنظيم اتجه إلى دراسة جدوى الأشكال السردية وطرائق اشتغال اللغة في النص الروائي، وقد عمل البنيويون كل في تخصصه ومن زاوية اهتمامه على حصر الظاهرة النقدية، وتحيد أسئلتها، فليتسنى لهم في ما بعد دراسة ما سماه جاكوبسون بالخصيصات النوعية.
في النقد الروائي المغربي اتجهت الدراسات نحو تجريب الأشكال واستلهام المدارس اللسانية الحديثة، وهو الأمر الذي سنناقشه في المبحث الثاني من هذا الفصل، بمعنى لم يكن هناك تفكير جدي في البحث عن نقد روائي مصدره هو النص الروائي المغربي الذي حقق – بما لا يدع مجالا للشك تراكما كبيرا- فكان النقد الروائي يشتغل بعقليتين غريبتين متناقضتين: فهو من جهة يحاول قراءة نص مغربي أنتج في بيئة لها خصوصياتها ولها تاريخها في الفعل السردي، بامتلاكها خطابات سردية متجذرة في الوعي الشعبي، ومن جهة أخرى يستعير المناهج القرائية من الدرس اللساني الغربي، فكيف نفسر إذا هذه الازدواجية في التفكير؟! لقد كان بإمكاننا أن نغض الطرف عن مثل هذه الأسئلة لولا يقيننا أن ما ترتب عليها من النتائج هو الذي أوصل النقد الروائي المغربي إلى الفترة الحاسمة الآن، إن ما ترتب على هذا الاتجاه هو تطبيقات لا تمت إلى الرواية المغربية بصلة وقد لا تفهم إلا في علاقتها بالبنيات العقلية الغربية: يظهر هذا في تعامل النقاد المغاربة مع المكونات السردية، فالزمن الروائي على سبيل المثال ليس بنية منفصلة عن اللغة الواصفة، بل إنه بنية لغوية مستقلة بذاتها، تبعا لمفهوم الزمن في الرواية نستطيع أن نكشف العديد من الحقائق الثقافية والنفسية المرتبطة أصلا بالحضارة الغربية ، وليست الرواية المغربية ترجمة لبنيات غربية حتى نبحث فيها عن مفهوم الزمن بالمفهوم الأوربي، إن الإحساس بالزمن في الرواية المغربية ينبغي، بل يجب ، أن يكون مختلفا عن الزمن في الرواية الغربية، ولكن النقاد المغاربة يفضلون النظر إلى الزمن بالمفهوم الغربي غير منتبهين إلى هذه المميزات الدقيقة التي تميز النص في “النسخة العربية” عن النص في “النسخة الغربية”()، بل من المفارقات الغريبة أن يوجه “جيرار جنيت” نفسه نقدا لطريقة الاشتغال التي تلغي الاعتبارات اللسانية ولا تلتفت إلى الوضعيات الخاصة باللغة المنتجة للنص السردي، فهو يشير – من طرف خفي- إلى الدراسات السردية التي تتناول السرد بشكل نمطي و لا تعير اهتماما للخصوصيات السردية().
بعد هاتين المرحلتين وجد النقد نفسه مضطرا إلى إعادة صياغة أدواته بشكل جديد، مرحلة التنظيم لم تستطع أن تجيبَ عن الكثير من الأسئلة النقدية، بمعنى أنها وصلت إلى أزمة ثقة في المناهج النقدية والقرائية، مما دفع إلى التفكير من جديد في أشكال قرائية تخرج النقد الغربي من أزمته وتفتح أمامه سبلا جديدة للتعامل مع النص الروائي، ولعل أخطر عملية وجد النقد نفسه قد وصل إليها هي ما سماه سعيد يقطين بِـ “المرحلة التوفيقية” ولعلها يقينا ليست سوى مرحلةٍ تلفيقيةٍ، فالعقل النقدي تماما مثلما حدث في باقي فروع العلوم الإنسانية كالفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع، وهي نتيجة طبيعية بعد أن يستكمل العقل نضجه ووعيه بأدواته، ولنكون أكثر وضوحا فإن النقد الروائي عندنا بما في ذلك المشاريع النقدية الكبرى التي كشفت عن نفسها لا تخرج عن هذا المجال بما في ذلك مشروع سعيد يقطين نفسه، فهيمنة المشروع الغربي حاضر وراء السِّتار بأشكال متفاوتة من ناقد لآخر مما يفسر أن مشروعنا النقدي لا يستطيع أن يفكر خارج ما يرسمه النقد الغربي.
نستطيع الآن أن نتلمس مكون الأدبية في الرواية ونقدها، فالأدبية بما هي الخصائص النوعية للأدب تتجسد في الرواية كعلامات سيميائية، تخلق لنفسها التميز عن الأجناس الأخرى، وهو ما يجعل من هذا المكون علامة مفارقة يمكن توظيفها في كشف خصائص الجنس الأدبي، صحيح أن بعض الخصائص النوعية قد تكون مشتركة بين جنسين على أساس أن ما هو مشترك في كل تجربة إبداعية هو اللغة الواصفة، لكن في الجهة المقابلة تصبح اللغة نفسها علامة مفارقة إذا قمنا بدراسة تجلياتها داخل الجنس نفسه، فلغة الرواية ليست هي لغة الشعر،رغم اشتراكهما في العناصر التكوينية الأولى، لقد كان “جاكوبسون” واعيا جدّا وهو يتحدث عن الخصائص النوعية() تماما مثلما كان “سوسير”يتحدث عن اللغة والكلام، وهو ما مكن المشتغلين بالحقل الروائي من بناء أنساق جديدة ستمكن من إضاءة جوانب كبيرة في النص السردي().
لقد بَدا “سعيد يقطين” مدافعا قويا عن هذا التوجه، فمكون الأدبية مهم وضروري لقراءة الظاهرة الروائية وتحليلها، فهو يحصر الظاهرة الروائية في خانة نستطيع من خلالها تتبع التفاصيل الجزئية الدقيقة، لكن في المقابل فإن مصطلح الأدبية من شأنه أن يدخلنا في دوامة من الشكوك في قدرة هذا “المصطلح المشترك”() من اختزال الظاهرة الروائية، لأن مصطلح الأدبية مفهوم ارتبط “بالشعرية” أكثر مما ارتبط بالرواية، صحيح أن الشعرية في جزء كبير منها قامت على الأنماط السردية والروائية على وجه الخصوص، لكن في المقابل لا نستطيع أن ننكر أن لكل عالمه الخاص المتميز وهذا التميز هو الذي يدفعنا نحو البحث عن قيمة الجنس السردي وطرق اشتغاله .
2- المسلمة الثانية: الرواية خطاب.
تناقش هذه الفقرة مسلمة أساسا من مسلمات قراءة الرواية وتحليلها، ونبادر إلى القول بأن كل قراءة للنص الروائي عليها أن تستحضر أنها تقرأ خطابا لغويا لتوجهه بعد ذلك توجيها معينا، وعندما نركز على الخطاب اللغوي فإننا نشير بذلك إلى إقصاء العلامات غير اللغوية التي أدت في النقود الغربية إلى إنتاج كم هائل من التعريفات تتعلق بمفهوم واحد هو الخطاب باعتباره في المقام الأول نشاطا ذهنيا مقصديا، فقد ارتبط مفهوم الخطاب في بداية الأمر بالمقولات النحوية، فبما أن الجملة في النحو”هي أكبر وحدة [لغوية]() قابلة للوصف”() نتج عنها أن الخطاب هو الآخر وحدة لغوية قابلة للوصف والقياس النحوي، على أساس أن الخطاب يقوم على متوالية خطية، لكننا في المقابل نرى الخلط الكبير في هذا الموقف من الخطاب، فهذا التحديد لا يميز في نظرنا بين الخطاب والملفوظ (Enoncé )، فكل خطاب ملفوظ وليس كل ملفوظ خطابا، فالخطاب أعم من الملفوظ، فالخطاب يتقيد بالمنهج في حين لا يتقيد الملفوظ إلا بحدود اللغة، بمعنى اشتراط التطور المنهجي بشكل ينمي اللغة لتصبح خطابا () إن هذا الشرط يجعل من الخطاب الروائي لغة أخرى، أو مستوى آخر من مستويات اللغة داخل النص الروائي، فنصبح أمام لغة تفرض علينا تحليلا لغويا – بلاغيا، وكأن اللغة هي التي توجهنا بطريقة معينة نحو لغة السرد، وهو أمر سقط فيه الدرس النقدي الغربي نفسه، لنعد قليلا إلى الوراء: إن تجربة “جاكوبسون” تمثل هذا الاتجاه اللغوي، فالموروث البلاغي حاضر في شعرية “جاكوبسون” مع أن جوهر الشعرية جاء ليبحث في جمالية اللغة وليس في اللغة كما تعامل معها الفلولوجيون الألمان، يشهد لهذا الاتصال الوثيق بين “جاكوبسون” والكتابات الألمانية خاصة في فقه اللغة، ولذلك فإن نظرة النقد التقليدي الغربي() للخطاب لا تتجاوز في كثير من تفاصيلها نظرته إلى اللغة، على أساس أن الخطاب هو “مجموعة من الملفوظات والرسائل الشفوية أو الكتابية” () وهو تحديد ساذج إذا قارناه بالدراسات المنجزة والجهود العلمية المتميزة التي قاربت الظاهرة السردية، لقد حاول التوزيعيون في ما بعد استثمار هذا التقارب بين اللغة والخطاب، فالخطاب هو:”ملفوظ طويل أو متتالية من الجمل تكوِّن مجموعة منغلقة يمكن من خلالها معاينة بنية سلسلة من العناصر، بواسطة المنهجية التوزيعية، وبشكل يجعلنا نظل في مجال لساني محض”() إن المشكلة هنا تكمن في تحديد مدلولات اللغة نفسها: فعبارات مثل ملفوظ طويل أو مجموعة منغلقة لا تعطينا صورة واضحة عن الخطاب، ولا يسعفنا التوزيعيون بتحديد دقيق لهذه المفاهيم، لكن إحالة “هاريس” على ما أسماه بالمنهجية() التوزيعية يجعلنا نفهم أن الخطاب في جوهره هو التوازي()، أي البنيات اللغوية المكونة للخطاب، وحتى طريقة التوزيعيين لا تتجاوز الإرث البلاغي والدراسات الفيلولوجية.().
من الواضح إذن أن الخطاب لم يتعد – في النصوص التي قدمنا- مجال اللغة، إذ اقتصر على العمل من داخل ما تتيحه اللغة من إمكانيات، فتارة يوسع المفهوم ليشمل مجالات تبتعد عن الجملة، وتارة يقلص المفهوم ليدل على التلفظ، فأصبح مفهوم الخطاب لا يتجاوز العمليات اللغوية الإنجازية بمفهوم تشومسكي، الخطاب الروائي بما هو تجل للعلامات اللغوية، ولذلك سرعان ما يتحول الخطاب النقدي في مجال السرديات إلى الحديث عن جماليات اللغة وتمظهراتها أي يصبح تناول الظاهرة الروائية تناولا تداوليا أكثر منه تناولا سرديا، كالوصف وعلاقته بالسرد وهي علاقة جوهرية لا تعني سوى علاقة الفعل/الحدث بالمكان/الوَسَط، وكأن الخطاب الروائي في عمقه هو ترجمة حرفية لمقولات نحوية.وربما كان “باختين” واحدا من الدارسين الذين تنبهوا لخطورة أن تصبح الدراسات السردية وجمالية اللغة الروائية مقولات نحوية صورية، فمن الصعب جدا حصر الخطاب الروائي في خانة لغوية، فَـجوهر النص السردي هو خطابه، والخطاب ليس اللغة وحدها ،وإنما كل مكونات الفعل القولي واللغة عنصر واحد من عناصره فقط. ()
لاحظ النقاد الروائيون أن الخطاب الروائي لا يتجلى منعزلا عن المكونات السردية الأخرى، بل هي التي تعطيه تميزه، فَعَقََدوا فصولا طويلة للحديث عن علاقة الخطاب بالسرد والحكي واللغة()، وكأن الأمر يتعلق بحديث عن المكون نفسه بتجليات مختلفة، في حين أن المسألة مختلفة ،فالخطاب ليس هو السرد ولا الحكي ولا حتى اللغة، وإنما ينصرف إلى المقاصد وراء كل هذه المكونات، على أن النقد الغربي كان مضطرا إلى تناول الخطاب بذلك الشكل، لأن دور النقد كان ينصب على تحديد الظاهرة وليس لأن الخطاب والسرد شيء واحد ، ومع ذلك فَهِمَ النقاد عندنا أن جوهر الخطاب هو تجلياته أو قابليته للتجلي في أنماط سردية أخرى كما مثلنا على ذلك سابقا. فإذا صحت العلاقة بين الخطاب وباقي المكونات السردية، فكيف نميز بين هذه المكونات نفسها حينما تصبح هي الأخرى خطابا: أي بنية لها قواعدها ومفاهيمها ومقاصدها الخاصة، وأساليبها في الاشتغال النصي؟ إن المسألة هنا لا تتعلق بتعاريف وحدود وينتهي الأمر، وإنما يتعدى ذلك إلى المقاصد. وهو الأمر الغائب حينما نتناول الخطاب في درسنا النقدي العربي.
إن تغييب المقاصد – وهو أهم عنصر يتميز به الخطاب- واضح في مشروع سعيد يقطين الذي ندرسه، فهو يقوم باستعراض المفاهيم المتعلقة بالخطاب كما يتجلى في المدارس الغربية اللسانية على وجه الخصوص ويحاول أن يجمع من هنا عنصرا ومن هناك عنصرا ثم يجهد نفسه في تبرير ما لا يحتاج إلى تبرير من أجل الوصول إلى خيط يجمع بين هذه المتناقضات، وكأن الخطاب بنية واحدة مسطحة تظهر في المدارس النقدية بشكل واحد، في حين ما أنتجته المدارس النقدية اللسانية ليس خطابا وإنما خطابات متنوعة قد لا يجمع بينها خيط، بل قد تتصارع كما حدث ولا زال يحدث بين الدراسات الفيلولوجية واللسانيات المعاصرة، وهو تهافت غير مبرر من قبل النقاد عندنا، ولأبين ذلك سأضرب مثالا يتعلق بمفهوم الخطاب عند الشكلانيين الروس ومفهوم الخطاب عند المدرسة الأمريكية مركزا على تشومسكي: عند الشكلانيين الروس يتعلق الخطاب الروائي بالمبنى اللغوي (= المبنى الحكائي) معنى هذا الكلام أن الخطاب لا يقول أكثر مما تقول اللغة فهو مجسد فيها،وبكلمة واحدة إذا أردنا أن نعرف الخطاب فعلينا أن ندرس الأسلوب /اللغة () في حين لا يهتم الخطاب في النقد الأمريكي بمنطوق اللغة بقدر ما يهتم بدراسة أشكال التحقق في الوسط، أي كيف يتحقق الخطاب في الواقع ليكتسب معنى () فالفرق بين الخطابين أن الأول يكتفي بتجليات الخطاب في اللغة، في حين يتجه الثاني نحو دراسة تحقق الخطاب في الواقع، الأول يكتفي بالوصف اللساني والثاني يبحث عن “المنفعة والربح”، فإذا كان الأمر كذلك فما موقع الخطاب العربي من النقد؟ وأعتقد أن هذا السؤال مشروع في كل مشروع نقدي روائي، فنحن نمارس النقد لأي هدف، كيف يصبح النقد مؤسس لبنيات عقلية جديدة مجددة تستطيع تجاوز ما هو معطى مستفيدة من معطيات التاريخ والتجربة الإنسانية؟ أم إن النقد عندنا لا يتجاوز الترف الفكري .
يكشف سعيد يقطين عن الموقف الأكثر انسجاما ووضوحا من الخطاب بعد أن استعرض أغلب المدارس النقدية اللسانية والسردية،” (…) التمييز الأكثر وضوحا وانسجاما هو الذي نجده مع تودوروف وجنيت، وأن باقي التقسيمات (لوفيف- جماعة لييج)تنطلق من تقسيمهما لكنها تعطيه دلالات وأبعادا تنسجم مع التصورات المنطلق منها بلاغية كانت أو انتقائية بصفة عامة، وبالأخص فيما يتصل بالجانب السيميوطيقي سواء مع الجماعة ولوفيف أو الجانب المرجعي مع لوفيف”()، إن هذا التصريح يلغي الإسهامات الكبيرة المنجزة في ميدان اللسانيات وتحليل الخطاب، إن الأمر في النقد لا يتعلق بتفضيل مدرسة على أخرى بقدر ما نعتبر جميع ما قدم في مجال الدرس البلاغي أو النقدي أواللساني ثروة علمية نستفيد منها دون انتقائية، وإلا فإن موقف “تودوروف” نفسه من الخطاب لم يدم على حالة واحدة بل إنه طوره في أكثر من مناسبة خاصة بعد صدور كتاب “خطاب الحكي”()، بل إن تودوروف قد أخذ كثيرا من المفاهيم اللسانية والسردية من “مدرسة لييج”، وبالرغم من أن موقف تودوروف وتلميذه جنيت يبدو عند “سعيد يقطين” متماسكا وواضحا، فإنه تعرض للنقد الشديد باعتماده مفاهيم أكثر تجريدية، خاصة من جانب النقد الألماني، فالمشكلة عندنا أننا لا نستطيع أن نقرأ النظرية السردية إلا في جانب واحد من جوانبها، وهي النسخة الفرنسية، ولو أنه قدر لنا أن نقرأ النظرية الغربية كلها في النقد الأوربي -وبالأخص الاتجاهات الحديثة في ألمانيا- لأمكننا أن نغير كثيرا من آرائنا وأحكامنا النقدية.
إن حديثنا عن الخطاب النقدي يجعلنا نتساءل عن واقع الخطاب النقدي المغربي في مجال الرواية، هل كونت القراءات المتعددة للمتون الروائية المغربية والعربية خطابا أو نسقا للتفكير يحكم علاقتنا بالنص، أم إن الأمر لا يتعدى إنجازات سرعان ما تنسى في عجلة الكتابة وكثرة التراكمات ؟.
لقد حاول سعيد يقطين أن يبني تصورا للخطاب الروائي العربي، فهو في البداية يعلن انحيازه- كما مر بنا – لموقف تودوروف وجنيت، وهو يعتقد أن الخطاب الروائي لا يمكن الحديث عنه إلا إذا توفر شرطان هما الحكي والسرد، ينتج عن الحكي ما يمكن تسميته بـِ”حكي الخطاب الروائي” وهو يعرف بـالصّيغة (الشكل)، وينتج عن السرد “سردية الخطاب الروائي”ويتحدد بمفهوم الزمن، لكن سعيد يقطين يحس أن طرحه هذا لم يضف شيئا جديدا، إنما حاول أن يؤلف بين عناصر كتب حولها الكثير في الدراسات الأوربية، فأضاف هذه المرة عنصرا جديدا سماه بـ”القصدية”وأدرج فيها عنصرين هما الواقع والقارىء()، وهو بهذه الإحالة على مرجعية الواقع والقارىء يحدد استفادته من جماليات القراءة والتواصل، ومع ذلك نسجل أن ما يقوم به سعيد يقطين هنا بالذات خطأ منهجي، فنحن نعود في كل مرة إلى ارتكاب نفس الأخطاء، كيف نجمع بين مقاصد نظرية التلقي ومقاصد الجماليات السردية ونحن نروم تأسيس نظرية روائية عربية؟! إن الجمع بينهما غير متيسر في الثقافة الغربية نفسها إلا بكثير من الجهد والحذر، فسعيد يقطين هنا يؤكد مرة أخرى أن تأسيس نظرية عربية لا يمكنه أبدا أن يبتعد عن الجذور الفلسفية الغربية، رغم أننا نؤكد دائما حق الاختلاف عن الآخر.
يميز سعيد يقطين في الخطاب الروائي على غرار ما قام به جيرار جنيت بين القصة والخطاب، وهو ما يسميه بـِ”المستوى النحوي”، لكن المستوى النحوي لا يبعدنا كثيرا عن الدراسات التي قام بها البنيويون بعامة والشكلانيون الروس بصفة خاصة، لذلك يقترح يقطين مفهوما آخر ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار في دراسة الخطاب الروائي العربي هو مفهوم “النص”والذي أسماه بالمستوى الدلالي، وهذا الأمر لم ينتبه إليه جيرار جنيت، وهكذا فالنظرية العربية في نقد الرواية تجمع بين ما هو نحوي وما هو دلالي أي بين الصيغة الصرفية (مقولات سردية= حدث، شخصيات، زمان، مكان…) والمادة اللغوية والمعجمية، (الأفعال، المصادر،الجمل…). ومركزة في الوقت ذاته على المظهر التركيبي أو النحوي متمثلا في ثلاثة عناصر هي: الزمن والصيغة والرؤية أو الصوت().
3- المسلمة الثالثة: نصية الخطاب الروائي:
يورد سعيد يقطين في تحليل الحكي ثلاث مستويات تؤلف وحدة النص الحكائي وتوجه مسيرة قراءته؛ مستوى القصة ومستوى الخطاب ومستوى النص، وهي مستويات تؤكد البعد اللغوي الذي يطغى على دراساتنا، فالمستوى الأول هو المظهر الصرفي والمستوى الثاني هو المظهر النحوي في حين يمثل المستوى الثالث المظهر الدلالي() في المستويين الأول والثاني تدرس الرواية في ذاتها باعتبارها نصا مغلقا يمتلك هو في ذاته وسائل قراءته بما يمد به القارىء من مفاتيح قرائية تسهم فيها اللغة والرموز وتطور العلاقات التداولية في النص، وهو مظهر يكتفي بما هو كائن دون أن يسمح باختراق النص إلى التأويل، في هذا المستوى ينبغي أن نكون حذرين ونحن نتعامل مع اللغة الروائية، فمن جهة يوجه النص إلى حرفية لغته بما هو ملأ لفراغات صرفية ونحوية تماما مثلما هو في نظرية الإسقاط اللغوي كما طورها “كورتيس”() ومن جهة أخرى نضطر إلى الاستماع إلى المبدع بقوة ميثاق القراءة/الكتابة، وبالتالي فالنص الروائي يمتلك سلطة التوجيه نحو مقصدية معينة.
في مستوى النص/الدلالة يتعامل الناقد مع استراتيجية مختلفة لأنه في هذه الحالة يستعير أدوات قرائية من خارج النص لأنه مجبر على التأويل ومن هنا تتداخل دوائر الدلالة وتتشابك أبنيتها إلى درجة الاختلاف مما يجعل النص إمكانية واحدة من إمكانيات الكتابة الإبداعية، فالنص الروائي لا يكتب ليبقى بحرفيته وإنما تتم مهمته بمجرد أن يلهمنا الطرق الضرورية لمعرفته ثم يختفي ليترك لنا سيلا من إشكالات القراءة والتأويل وهي أسئلة تتعلق بالقدرة على احتواء النصوص وتجاوزها.
في المستوى الأول والثاني نتعامل مع النص الروائي باعتباره بنية مغلقة تمتلك خصائصها القرائية وعالمها المستقل: عالم الحدث والرمز والتقنية الكتابية، وهو ما يعطي للغة الروائية مشروعية الاستقلال بأبنيتها ونظامها اللغوي، فنحن لا نستطيع أن نقرأ رواية القرن التاسع عشر إلا بما تقدمه لنا من مؤشرات نصية، فليس باستطاعتنا أن نقرأ رواية القرن التاسع عشر ببنيات لغوية/روائية تنتمي إلى مرحلة ما بعد الحداثة الأوربية، وحتى إذا حاولنا ذلك نكون على يقين أننا لا نقرأ إلا نصا مختلفا بعيدا كل البعد عن أن يكون بنية لغوية/روائية تنتمي إلى القرن المذكور.
أما في المستوى الثالث فإننا نتعامل مع خطابات متنوعة إلى درجة الاختلاف أحيانا، مستوى النصية لا يتقيد بحدود اللغة وأعراف البنية الروائية السردية، فالنص بما هو إحالة إلى اللغة يمتلك عناصر الثبات، وبالتالي هناك حد أدنى من تكرر البنيات، لكن على مستوى آخر ما يميز نصية الرواية أنها تنصهر بسرعة في خطابات قريبة من جنسها: الخطاب الفلسفي والإديولوجي، الخطاب الديني والمصالح الاجتماعية. لقد قرىء “Der Faust “()قراءات مختلفة وفي جل اللغات الأوربية، ووجه في كثير من الأحيان توجيهات مختلفة وأحيانا متناقضة، والسبب في ذلك يرجع إلى عنصر النصية الذي أشرنا إليه، فبما أن النصية تسمح بتوارد بنيات أخرى وتسعى إلى التعايش معها، فإنها تستطيع في الوقت ذاته احتواءها، وهو ما يفسر الغموض الذي تحدثه بعض الكتابات الروائية، ومنه نقرر أن مستوى النصية بقدر ما يسمح بانفتاح النص على عوالم مختلفة تساهم في التفسير والقراءة، بقدر ما يخلق عالما غير منتظم من الفوضى والنسبية.
إذا رجعنا إلى ما كتبه جيرار جنيت فإننا نرى أنه لا يفرق بين الخطاب والنص فهو يستعملهما بدلالة واحدة، إذ لا فرق عنده بين الخطاب السردي والنص السردي في حين نجد الخطاب(المستوى النحوي) عند يقطين مرتبطا بالراوي والمروي له والزمن بمعنى ارتباطه بالعناصر البنيوية للرواية، أما النص (المستوى الدلالي) فيرتبط بالكاتب والقارىء وبالمتعاليات النصية أو ما يسميه يقطين بالتفاعل النصي والبنيات الثقافية والسوسيولوجية()، وإذا كان هذا الأمر مفهوما في الثقافة الغربية باعتباره يكون بنية مرتبطة بالنشاط العقلي الأوربي وكذلك بالاتجاه نحو التقعيد والتجريب، فإن الأمر عندنا مختلف، فجنيت على سبيل المثال واع كل الوعي بأن الخطاب ينبغي أن يرادف النص حتى لا يدمر النسق الفكري المنسجم الذي حاول إقامته خاصة الجوانب المتعلقة بما أسماه بالمتعاليات النصية والتي تفرض بالضرورة أن نتعامل مع الخطاب والنص بطريقة واحدة،فالمتعاليات النصية تفرض النظر إلى النصوص الغائبة ومحاورتها، وبالتالي لو حاول جنيت أن يفصل بين النص والخطاب لتطلب منه الأمر أن يعيد النظر في صياغة فرضياته، وبالتالي التساؤل عن مشروعية أبحاثه، عندنا الأمر مختلف، الخطاب لا يرتبط باللغة بل يرتبط بالذهنيات والبنيات الفكرية التي ينتجها المجتمع، وبالتالي تبقى اللغة مستقلة عن الخطاب، هذه النتيجة التي توصلنا إليها واضحة إذا رجعنا قليلا إلى الوراء في الثقافة العربية نبحث عن تجليات مفهوم النص والخطاب، فالخطاب عندنا يرتبط بأهل البدع وعلماء الكلام بالمعنى القدحي أحيانا، في حين يرتبط النص بعلماء الحديث ومفسري القرآن، فالخطاب تجل للأفكار المتصارعة ومحفل للتعصب وسوء النية، في حين يرتبط النص بالقرآن والحديث أي بالمقدس() إننا رغم النقل الحرفي لمفهوم النص والخطاب من الثقافة الغربية، الفرنسية على وجه الخصوص ما نزال نستعمل المفهومين بالمعنى التراثي الذي أشرت إليه، للأمر معقول في نظرنا هو سلطة اللغة وأبنيتها على التفكير النقدي المغربي، على أن هذا الأمر لا يحتاج في الثقافة الغربية إلى تبريرات لقبوله، ففلسفة القطائع وتيارات ما بعد الحداثة حسمت الموقف لصالح النظام/النسق ولم تعد اللغة أو الخطاب هما اللذان يمتلكان سلطة تقرير الدلالة() بل إننا نذهب إلى موقف باختين من النص والخطاب أكثر عمقا رغم سبقه الزمني، فليس الخطاب عنده إلا ظاهرة اجتماعية، ابتداء من الصورة السمعية حتى التصنيفات الدلالية الأكثر تجريدا () وهو فهم مستمد أصلا من البنيات الاجتماعية، فلم يكن “باختين” يستسيغ إمكانية الفصل بين الخطاب والنص، لأنهما شيء واحد، في حين أن التمييز الذي اقترحه يقطين يجعلنا بإزاء منظومتين مختلفتين في فهم الكتابة السردية: مستوى “سُلْطَةِ الرِّوايَةِ” تستقل فيه بعالمها، ومستوى آخر نسميه “مستوى التداخل” لأنه يفرض مرجعيته من خارج النص.
في مستوى”سلطة الرواية” يحتفظ النص بعالمه الداخلي الخاص في القراءة والتفسير والتأويل، بما هو بنية مستقلة،قابلة للاحتواء اللغوي، وهو مبدأ نقرره منذ الآن: إنه مبدأ ” النص يفسر بعضه بعضا”، إن ما قام به النقاد في هذا المستوى يشبه تماما ما قام به المفسرون في قراءة النصوص الدينية، رغم اختلاف الجهاز المفاهيمي والنيات والأهداف().
أما في المستوى الثاني، فإن التعامل مع النص الروائي يأخذ بعدا آخر يتجلى في استحضار النصوص الغائبة والذاكرة والموروث الثقافي، إننا في هذا المستوى في الحقيقة لا نقرأ الرواية وإنما نلجأ إلى ضروب من المقارنات لرصد الجوانب المتشابهة أو المتداخلة، فنحن إذا لا نقرأ وإنما نبحث في أسس الكتابة، ولذلك نخشى – مع تطور مستويات القراءة الحديثة باتجاهاتها المختلفة- أن تصبح القراءة عملية تسطح النص أكثر مما تنفد إلى عمقه وهو ما ينتج نصوصا على الهامش تشوه الأصل من حيث تعتقد أنها وصلت إلى لب النص وجوهره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
– استعملنا مصطلح بنية بالمفهوم اللساني،ونفضل بدلا من ذلك مصطلح “مكون” بسبب أننا نريد أن يكون هذا المصطلح خاصا بالرواية.
– سعيد يقطين:تحليل الخطاب الروائي،المركز الثقافي العربي،ط3/1997 بيروت- الدار البيضاء. ص ص13- 57.
– عبد الحميد عقار : (قضايا النقد الأدبي في المغرب) (ندوة)، مجلة فكر ونقد(مغربية) ع6/1998- ص109.
– اقتصر النقد الروائي في هذه المرحلة على سبر مواضيع ذات صلة مباشرة بالمشاركة الفعلية في الحركة الوطنية لذا انصب في مجمله على تيمات الاستقلال والمواضيع الاجتماعية الإصلاحية.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي (الزمن- السرد- التبئير)، المركز الثقافي العربي- ط3/1997،ص13.
– إن تركيز جاكوبسون- على غرار الشكلانيين- على الخصائص النوعية للأدب توحي بأن الأدب كما كان يدرس قبلُ قد استنفد قدرته على الإبداع.
– فطن سعيد يقطين في ما بعد لصعوبة الأخذ بمفهوم المحاكاة في الرواية المغربية،ففضل استعمال مفهوم آخر هو “التفاعل”،كتب قائلا:” إن استبعاد مفهوم المحاكاة يدفعنا إلى تبنى مفهوم التفاعل لأنه أكفأ وأدق في وصف العلاقات بين الثقافات، حتى وإن كانت تتم في نطاق غير متكافئ،أو تخضع لطوابع لا تسم العلاقة بالأبعاد الضرورية لتحقيق هذا التفاعل ،مثل حضور الصراع بين الثقافات لأسباب تاريخية أو سياسية أو اجتماعية محددة .انظر:سعيد يقطين: (النص- الحداثة- المجتمع)؛الثقافة المغربية ،منشورات وزارة الثقافة والاتصال، ع 17/أكتوبر2000 ص48.
– يمكن التمثيل هنا بما كتبه حميد الحمداني في أسلوبية الرواية(مدخل نظري) ،فصل (الرواية والمقومات البلاغية غير المحدودة) ،منشورات دراسات سال ط1/1989 البيضاء ص ص 79-82.
– G.Genette:Figures lll ; collection poétique;ed Seuil 1972 P71.
– T. Todorov : Poétique ,Seuil /Points . 1973 , P 25.
– أورد تودوروف في معجمه:Dictionnaire encyclopédique des sciences du langauge قولة لِجاكوبسون:”حتى تصبح الدراسات الأدبية علما،عليها أن تركز على دراسة النسق وحده”وهو ما يدل على أن الشكلانيين الروس قد ركزوا في دراساتهم على ما هو مشترك بين الأجناس الأدبية دون التوقف كثيرا عند الأعمال المفردة.
– نستعير مفهوم المصطلح المشترك من إدريس الناقوري /1979.
– أضفنا نحن تقييدا للجملة، حتى نستبعد العلامات غير اللغوية التي تصاحب الجملة ، فالجملة الروائية هي نفسها الجملة اللغوية، لكن الفرق بينهما دقيق ففي الحالة السردية تكون الجملة اللغوية مقيدة بعلامات سردية هي التي تعطيها تميزها ،وهي ما نسميه بسلطة السرد، فالجملة في الرواية تخضع للنظام العام ولمنطق الحكي ،في حين الجملة اللغوية خارج عالم السرد تتمتع بحرية تامة و لا تخضع إلا لمنطق اللغة.
– سعيد يقطين :تحليل الخطاب الروائي، ص 15.
– Robert: Le petit Robert, Dictionnaire analogique et alphabétique de la langue française. Disque optique compact,Cd-rom,Version 1.1/1996.
– نستعمل مفهوم النقد التقليدي لنميزه عن مدارس النقد الجديد بمفهوم جيرار جنيت؛ ولا يحتمل المفهوم معنى قدحيا.
-Voir le Micro – Robert ,ed Montréal ,canada 1989, p379.
– F.Marchand et autres: Les analyses de la langue,Delagrave,1978, P116.
– استعمل يقطين في ترجمته لمصطلح”Méthode ” لفظة “منهجية” وهي ترجمة حرفية لا تنسجم مع طروحات التوزيعيين لذلك نفضل لفظة “طريقة توزيعية” ،فما قام به التوزيعيون ليس منهجا بالمعنى الأكاديمي .
– اللفظة المستعملة في النص الأصلي هي “Equivalence ” وقد ترجمها يقطين بالتوازي، وهي بعيدة كل البعد عما يقصده “هاريس”فهو يقصد بنيتين لغويتين قائمتين على نفس الكتلة، فالمصطلح الذي نقترحه هو “التعادل” ونحتفظ بالتوازي كمفهوم شعري.
– لقد تخوف “ميلان كونديرا” من أن يتهم بأنه فيلولوجي،مع أنه يعتبر – بسخرية لاذعة- أنها ليست صفة رديئة,أنظر ميلان كونديرا: فن الرواية ترجمة بدر الدين عرودي،أفريقيا الشرق،ط1/2001، ص36.
– M.Bakhtine:Encyclopédie Microsoft Encarta 98, Disque optique compact,Cd-Rom.
– voir par exemple les écritures de Roland Barthes : Le degré zéro de l’écriture; ed Seuil 1972; les chapitres suivants: L’écriture et la parole , p58-61 .L’écriture et le silence , p54-57.Ecriture et révolution ,p p49-53.
– W .Beutin: Sprachkritik und Stilistik, Stuttgart 1976; S 42.
– إن مفهوم الكفاءة اللغوية يتعدى قدرة الجملة الإنجازية ليدخل في سلسلة من التفاعلات في علاقة الكفاءة بالسلطة والواقع وهو ما يسعى تشومسكي نفسه لتأكيده خاصة في كتاباته الأخيرة، راجع : روبير لافون: ثورة في اللسانيات[Révolution en linguistique ] ؛ مقال (اللسانيات كما أفهمها) ترجمة مصطفى المسناوي، مجلة بيت الحكمة،ع 6 /1987 ص16.
– سعيد يقطين:تحليل الخطاب الروائي،ص36.
– G .Genette: Discours du récit, in:Figures lll Seuil,1972.
– سعيد يقطين:تحليل الخطاب الروائي،ص49.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي،ص ص 51- 52 .
– سعيد يقطين: نفسه،ص53.
– J. Courtés:Introduction à la sémiotique narrative et discursive, librairie Hachette 1976; p70-75. يتحدث كورتيس في هذه الصفحات عن العلاقات العاملية ودورها في إنجاز الحدث الحكائي وتمثيله،بما يوحي بأن تمثيل الحدث عامليا ليس سوى ملء للفراغات النحوية والصرفية فالواقع أن التمثيل لا يضيف أي جديد للحدث بل يقوم فقط بتمثيله وصورنته ،وهو ما يطرح بشدة مسألة جدوى ومشروعية النسق سواء عند كريماص أو كورتيس.
– Goethe:Faust,Traduction de Jean Malaplate,Flammarion,Paris 1984
نشير هنا إلى المقدمة التي كتبها Bernard Lortholary ,pp5-19. .
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي،ص 53.
– بخصوص مفهوم النص وتجلياته الدينية نقترح مراجعة الكتب التراثية التالية:
عبد الله بن محمد بن عبيد بن قيس(208- 281):قرى الضيف،تحقيق عبد الله بن حمد بن منصور،أضواء السلف- ط1/1997، ج2/279- ج5/256.
أحمد بن محمد القلقشندي(ت 821): صبح الأعشى، تحقيق د.يوسف علي الطويل،دار الفكر- دمشق- ط1/1987 ،ج2 ص51.
أبو الفرج جمال الدين الجوزي(508- 597):المدهش،تحقيق د.مروان قباني،دار الكتب العلمية-بيروت- ط2/1985 ،ص134.
أبو بكر عبد القاهر الجرجاني(ت 471):دلائل الإعجاز، تحقيق د.محمد التنجي،دار الكتاب العربي- بيروت-ط1/1995.ص258.
– يراجع بهذا الصدد: مطاع صفدي: نقد العقل الغربي (الحداثة وما بعد الحداثة)،مركز الإنماء العربي،ط1/1990 ص ص183- 202.
– ميخائيل باختين:الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة- دار الأمان- الرباط ط1/1987.ص29.
– حررت هذا المقطع قبل أن أطلع على كلام “ميشال بوتور” إذ يقول :”إن ما يقصه علينا الروائي لا يمكن التثبت من صحته،وما يقوله لنا يجب أن يكفي لإعطاء كلامه مظهر الحقيقة” ويقول في موضع آخر :”تهدف الرواية بالطبع- وينبغي لها أن تهدف- إلى توضيح نفسها بنفسها” انتهى كلامه. [قلتُ:و كلام بوتور يتفق مع الطرح الذي قدمناه وهو نفس الموقف الذي تبنته مدارس التفسير العربية.] أنظر: ميشال بوتور: بحوث في الرواية الجديدة،ترجمة فريد أنطونيوس،منشورات عويدات- ط1/1971، ص ص6- 10 .
الفصل الثاني
المدارس النقدية
(الإطار المرجعي في النقد الروائي)
محمد بنسعيد
مدخل
يهدف هذا الفصل إلى تتبع المدارس النقدية التي آثر سعيد يقطين اعتماد نتائجها في ممارسته النقدية، وتبيان الأسس الفكرية لهذه المدارس، ومرجعيتنا في ذلك أن الكشف عن هذه المدارس وحضورها في النقد المغربي كفيل بأن يبصرنا بطبيعة النقد الروائي عندنا ويساعدنا على تجاوز هذه المرحلة التي أسميناها في الفقرات السابقة بِـ”مرحلة القراءة”، فإذا كان النقاد والأدباء يتفقون “على أن للنقد دورا أساسيا في الحركة الأدبية و[أن]الاختلاف إنما هو في تحديد المناهج النقدية الأكثر فعالية ونجاعة، على أن النقاد يتفقون كذلك أو يكادون يتفقون، على أن لكل عصر مناهجه النقدية الخاصة، وعلى أن هذه المناهج تتطور بتطور الأدب والمجتمع، وباختلاف الفنون والأنواع الأدبية”() إن المسألة النقدية تتجه إذاً نحو اختيار النهج النقدي المرتبط أصلا بالتطور الهائل في العلوم والمجتمعات، بمعنى أن التفكير في المنهج واختياره ليس عملية انتقائية قائمة على الإعجاب والدهشة بقدر ما هي قائمة على قناعات فكرية وفروض نظرية فلسفية تفرض على الناقد منهجا دون آخر وتحدد اعتماده وجهة النظر هذه على وجهة النظر تلك، فهل استطاع النقد الروائي المغربي أن يتعامل مع النقد بهذا الشكل أم إنه – على العكس من ذلك- يتعامل مع المناهج النقدية والمدارس الفكرية بالانتقائية إلى الحد الذي يجعله لا يعرف المرجعيات التي انطلقت منها هذه المدارس النقدية، وهو ما يؤكد التهافت الكبير الملاحظ في جل الكتابات النقدية المغربية بل والعربية، ركام من المدارس النقدية تتعايش بحرية على صفحات كتبنا بدون حدود أحيانا، وكأن المناهج النقدية المتخاصمة في موطنها الأصلي تجد متنفسا عندنا فتطرح جانبا مُسوحَ العداء والخصام لتنعم للحظات بالدفء والسلام! ولسنا هنا في محل المبالغة ولكن الكتب النقدية نفسها تشهد بهذا()، مما يدل أننا في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من مسلماتنا النقدية، وعلى رأس هذه المسلمات جميعا تعاملنا مع المناهج النقدية الغربية، التي وضعت أصلا لدراسة نوع واحد من الرواية هو الرواية الأوربية، إننا بتعاملنا هذا نكشف العداء لأهم تيار استفاد منه النقد الروائي في المغرب عن طريق الواسطة (النسخة الفرنسية)، وهو موقف “باختين” نفسه من تطور الشكل الروائي، فهو يرى أن “الرواية شكل غير مكتمل”()، وبالتالي فإن دراسة الرواية العربية أو المغربية بالمناهج النقدية الغربية فيه الكثير من المجازفة، وينبغي أن يتم بكثير من الحذر، فالرواية المغربية ينبغي أن تدرس بالمناهج التي أنتجتها، “فلا شك أن إعادة تأمل وتركيب أسئلة نقدنا الروائي راهنا، كفيلة بتجاوز كل التباس طارىء محيط بتلك العلاقة، مما يساعد على الاقتراب أكثر من أسئلة دقيقة تخص معرفة الكيفية التي نقرأ بها نصوصنا الروائية، ومن ثم ربطها بأسئلة الكتابة التي لا ينبغي أن ننظر إليها فقط من زاوية بنياتها التركيبية والتقنية”() ولعل هذا الطموح المشروع في قيام ظاهرة نقدية عربية صحيحة هو ما أشار إليه الباحث المغربي بعد استعراضه لبعض الإنجازات العربية المتفرقة والتي لا ترقى إلى مفهوم النظرية النقدية،”صحيح، لا يمكن أن ننسى ذلك الصوت الجليل والخطير في نفس الآن، الذي تركه طه حسين، ولا يمكن أن ننسى تجربة محمد مندور، ولا تجارب من ترسموا الخطوات الثابتة من أمثال لويس عوض ومحمود أمين العالم وحسين مروة وغيرهم، إلا أن تلك التجارب المفردة لا تسعفنا في الحديث عن نقد عربي بمفهوم صحيح، حتى وإن ظلت بمثابة العلامات المضيئة في الزمن الحاضر، إنها لا تسعفنا في ذلك، لأننا نريد أن نتحدث عن ((النقد العربي)) كحقل من الحقول الثقافية، وكممارسة فكرية وثقافية ذات فعالية أصيلة مثلها في ذلك مثل الإبداع العربي.() [التشديد من عندي]، إن هذا الطموح المشروع يقتضي منا فهم الخطابات الغربية وأنساقها المعرفية، ثم استخراج مقومات القراءة النقدية الروائية من النصوص العربية وكشف بنياتها اللغوية ومعمارها الأسلوبي والقصصي، مما يجعلنا قادرين على التعامل مع نصوص أخرى مختلفة عن النصوص الغربية، وليس من الضروري أن نصل إلى نفس النتائج التي وصلوا إليها، فلكل نص خصوصيته، ولكل لغة شفراتها، وكل نقد يفكر في إمكانية أن يجد منهجا على مقاس كافة النصوص الإبداعية، فلن يستطيع إلا أن يدور في فلك ما كتبه الآخرون على مقاسهم، إننا لا نستطيع أن نتصور إذا ما كان “كولدمان” يفكر في نسق السرد العربي وهو ينجز أنساقه السردية، ولا ما إذا كان كريماص يفكر في طريقة اشتغال العقل السردي العربي، عندما كان ينجز الخطاطات العاملية، لقد كانوا – جميعا بدون شك – يفكرون في نصوص معدودة قد لا تجاوز العشرات في ثقافتهم، وموروثهم الشعبي، بل إنهم لم يكونوا قادرين على حصر الظاهرة السردية في آدابهم الأصلية لكثرة التراكمات في مجال الكتابة الإبداعية، فالبرغم من النجاحات الباهرة على مستوى حصر الظواهر السردية، فإن كتاباتهم تعرضت – وبدون توقف- للكثير من النقد. وهو ما يفسر الإخفاقات المتكررة في فهم الظواهر الأدبية، حتى أصبح من السهل التصريح على غرار ما قاله “فوكو” إن تاريخ الفكر هو تاريخ الإخفاق، وهي كلمة عميقة تشرح طريقة واحدة من طرق تطور المعرفة والتفكير النقدي، ولكنها في نفس الوقت تعترف بأزمة العقل النقدي ونسبية ما ينتجه من معارف ومحدودية ما يقرره من حقائق سواء على مستوى إنتاج المعرفة أو على مستوى إعادة قراءة ما ينتجه من قيم وأفكار، وليس هناك وضعية أسوأ من إعادة اجترار الأفكار دون فهم للظروف التي أنتجتها، و لا للعوامل الثقافية التي أثرت فيها، ونبقى حبيسي النظرة التقليدية للمعرفة والنقد والتي عبر عنها “ياسبرز”بقوله:(( إن قدرتنا على الإبداع تكمن في قدرتنا على إعادة توليد الأفكار التي تلقيناها عبر التاريخ، ومن دون المناهج تبقى المعطيات خرساء، نستنطقها فلا تجيب.))().
بعد استقراء النصوص النقدية عند سعيد يقطين تبين لنا بشكل واضح الخيوط الأساسية لما يمكن أن نسميه بِـ”الإطار المدرسي”الذي يحكم الظاهرة النقدية عنده، وهي اتجاهات نقدية ثلاث ترجع كل كتاباته إليها، وينطلق عقله النقدي منها واع أو غير واع بها، وهذه الأطر هي:
j – الاتجــاه الشكلي، أو المدرسة الروسية.
k – الاتجــاه الشعري، أو المدرسة الفرنسية.
l – الاتجــاه النفعي، أو المدرسة الأنجلو-أمريكية.()
تسعى هذه القراءة إذن إلى كشف الأطر التي تنظم الفعل النقدي، ونحن على يقين أن الكشف عن المدارس النقدية وحضورها في كتاباتنا النقدية من شأنه أن يمدنا بالمعرفة الضرورية لفهم الواقع النقدي ليس فقط من أجل احتوائه بل أيضا من أجل تجاوزه.
وقد لاحظنا في معرض تفكيرنا في هذه المدارس أنها أحيانا تتداخل فيما بينها إلى درجة يصعب فك رموزها لذلك سنلجأ إلى إرجاع كل مبدإ نقدي عند سعيد يقطين إلى أصله، لتتبين لنا بوضوح مرجعيته، وقد تتشابه بعض المواقف النقدية بين مدرستين أو أكثر فنعزو الرأي إلى المدرسة التي ينسجم مع مبادئها أكثر من المدرسة التي جاء هذا الموقف عرضا في أفكارها، لأن الذي يهم في النقد ليس هو الموقف في حد ذاته، بل المهم عندنا هو أن يصبح هذا الرأي خاضعا لنظام معين مع عناصر أخرى، وهذه العناصر إذا اجتمعت كانت قادرة على تعميق الأسئلة النقدية ووضعها في إطار معرفي منسجم حتى تكون قادرة على تفسير الظاهرة الإبداعية.
اتجـاهات العقل النقدي عند يقطين:
– الاتجــاه الشكلي، أو [المدرسة الروسية]:
ظهر الاتجاه الشكلي في النقد الروائي المغربي كنتيجة طبيعية للاتصال المباشر بالترجمات المتوالية لأهم كتابات الشكلانيين الروس، وهو حرص جاء متأخرا مقارنة مع الفرنسيين أو الأمريكيين، لكن يبدو لنا ونحن نطالع التطبيقات الكثيرة التي اعتمدت خلاصات المنهج الشكلي في الرواية أن هناك تفاوتا كبيرا بين النقاد في فهم المنهج، وفي اعتماد المفاهيم النظرية وتطبيقها، ونحسب أن ذلك راجع إلى الترجمة أكثر من أي شيء آخر، فقد قام تودوروف بالتعريف بالشكلانيين الروس للعالم الغربي من خلال ترجمته لأهم أعمالهم وهي” نظرية الأدب- نصوص الشكلانيين” ومع ذلك يمكن تلمس أرضية قابلة للنقاش تتعلق بتطبيق المنهج وفهمه بنفس الدرجة التي فهم بها في روسيا أو فرنسا.
لقد اعتمد الشكلانيون مفاهيم فلسفية وجمالية تعود إلى فلسفة “هيكل”وإلى التراث الأوربي، فالواضح أن الشكل عند هيكل ارتبط بعلم الجمال، وبالصيغ العقلية لتحققه، إلى درجة أن يصبح الشكل هو المنظم للمعرفة الإنسانية، ومن هنا نفهم السبب الذي يجعل الشكليين عموما يعلون من قيمة الشكل والجوانب الفنية التي يرمي إليها ()، فالشكل يرتبط بفلسفة جمالية تعلي من قيمة المادة الطبيعية وتعتبرها المحرك الفعلي للمعرفة الحسية، كتمهيد لسلطة العقل التجريبي وقدرته على تنظيم الأنساق المعرفية والسيطرة على الظواهر بما فيها الظواهر الإنسانية والأدبية، فينبغي حينما نهتم بتاريخ الأشكال أن نستحضر هذا البعد الثقافي المعرفي، وهو بعد مهم يحفظنا من ظاهرة الانتقاء التي نمارسها في نقودنا دون انتباه أحيانا.لقد وجه الشكلانيون نقدا لاذعا للمدرسة الرمزية وأعلامها، على أساس أن التوجه الرمزي بعيد عن حقيقة الشكل بإعلائه لقيمة “الخيال”، وهو نفس الانتقاد الذي وجهه “هيكل” من قبل للتخييل لأنه لا ينسجم مع “معيار القوة” الذي يفرضه الواقع، ومع ذلك أريد أن أنبه هنا إلى أن الشكلانية الروسية لم ترتبط في بداياتها الأولى بالأدب، وهو موقف قد لا يفهم في أول الأمر، والعودة إلى حركة التاريخ توضح بجلاء أن الشكلانيين استفادوا من الحركات الفنية، خاصة في مجال الرسم والنحت، مما طبع كتاباتهم بالحرص الشديد على خصوصيات العمل الفني ودراسة مميزاته، فالعمل الأدبي بطبيعته هو عمل فني ثوري غير مستقر ويطمح باستمرار للتغيير والثورة، ولذلك يصر “أيخنباوم”على الطابع المستقبلي للكتابات الشكلية، إن الشكلية لا تعرف المهادنة بل حركة دائمة نحو التغير(). وهكذا ستنتقل روح المغامرة في النقد الروائي المغربي باحثة عن الأشكال التجريبية الممكن توظيفها، بهدف وضع نهاية للأشكال القديمة التي فقدت مصداقيتها الفنية، أو لأنها كانت تعتبر غير محددة بما يكفي لتكون جنسا أدبيا مستقلا() مما دفع النقاد عندنا للتفكير في الأشكال الغربية، أكثر من أي أشكال أخرى، وهكذا حضرت المدرسة الشكلية في التوجهات النقدية الكبرى في نقد الرواية، وقد ظهر هذا التوجه عبر أشكال إنجازية كانت تتوخى السيطرة على الأجهزة المفاهيمية، وضبط العملية النقدية وعيا منها بأن أي قراءة نصية ينبغي لها أن تنطلق من قاعدة نظرية صلبة، ومن هنا نبرر الكثافة الشديدة لحضور أسماء كثيرة تنتمي إلى المدرسة الشكلية رغم الفروقات التي يمكن أن تحدث-وقد حدثت- بين هذه التوجهات، فليس هناك الآن من يستطيع أن يمزج بين نظرية باختين في الرواية، وبين مواقف جاكوبسون، على الرغم من أن جاكوبسون يعتبر الشعلة التي أنارت للنقاد طريق الشكلانية وهذا الحضور يتأكد بالأسماء التي ساهمت في تكوين الاتجاه الشكلي، وهي أسماء لها وزنها في مجال التنظير والتطبيقات أمثال: جاكوبسون، شكلوفسكي، أيخنباوم، توماشوفسكي، بروب، تينيانوف، باختين، ما قام به سعيد يقطين هو تتبع بعض المفاهيم السردية عند هؤلاء، ثم البحث عن تطبيقات لها في الرواية العربية، من خلال نصوص مختارة بعناية فائقة لا محل للصدفة فيها، وهي “الزيني بركات”() و”عودة الطائر إلى البحر”() و”أنت منذ اليوم”() و”الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”() ثم “الزمن الموحش “().
تتلخص القضايا التي طرحها سعيد يقطين للنقاش في ثلاث نقط ، هي الزمن والصيغة والرؤية، وهي عناصر بنيوية لا يمكن تجاوزها أثناء نقد الرواية، فمشروعه إذا من خلال تحليل الخطاب الروائي، يقتصر على هذه العناصر، التي يرى أنها قادرة على تبيين الفعل السردي بما تفصح عنه من إمكانيات الروائي وقدرته على الإبداع، فهذه العناصر لا تمكن فقط من إصدار حكم على النص الروائي وإنما تمكننا أيضا من تتبع تقنيات الكتابة الإبداعية الروائية عند المبدع، بما يجعلنا نتعامل مع النص من موقفين مختلفين: موقف يهتم بالنص من حيث هو بنية لغوية تحكمها قوانين البنية اللغوية وأنساق الفعل القولي، وموقف آخر تحكمه علاقة الروائي بنصه.
1- مقولة الزمن:
لقد أولى الشكلانيون مقولة الزمن قيمة كبرى، لكنها لم تظهر بما يكفي إلا في البحوث التي قام بها “فاينريش”، منطلقا من فرضية أن الزمن لا يتوزع في النص الروائي بشكل اعتباطي، بل يخضع لنظام معين، ومن ثم استطاع لأول مرة أن ينحت مفهوما جديدا هو”زمن النص”()، لقد قام “فاينريش”بخطوة مهمة في تاريخ السرد، فلأول مرة سينظر للزمن بوصفه شكلا إبداعيا في حين كان ينظر إليه على أساس أنه معطى خارجي، أو باعتباره مفهوما ميتافيزيقيا غامضا، ومن هنا نفهم التمييز بين ما أسماه بـ “زمن الحكي” و”الزمن المحكي”فزمن الحكي مرتبط بالنص، في حين يرتبط الزمن المحكي بالقراءة، وهو ما سيدفع تودوروف في ما بعد لتطوير هذا المفهوم واعتماده، إن هذا التمييز يساعدنا على حل مشكلة الزمن في الكتابة، () وهي مشكلة نرى أنها لا تتعلق بالكتابة الروائية في حد ذاتها بل تتعلق باللغة الواصفة، أي بلغة الكتابة، لأننا لا نستطيع أن نلغي حدود الزمن اللغوي الذي يجثم بثقله وراء كل حدث لغوي، وهي مشكلة تنبه لها الشكلانيون، لكنهم لم يبحثوا فيها بما يكفي، ونعتقد أن “هروب” الشكلانيين للبحث في الحوافز هو في الواقع إخفاق في البحث في الزمن، وإلا كيف نفهم إصرار “توماشوفسكي” اعتبار تتابع المتن الحكائي – باعتباره مجموعة من الحوافز- ظاهره زمنية، ومن هنا تمييزه بين نوعين من الحوافز معتمدا معيار الزمن إلى حوافز مشتركة، لا يمكن الاستغناء عنها في المتن الحكائي، فهي التي تضمن تطور الزمن، وحوافز حرة يمكن الاستغناء عنها دون مساس بجوهر المتن الحكائي()، إن جوهر نظرية الحوافز بما هي تجل زمني تتعلق بسيرورة الزمن وكيفية اشتغاله داخل النص الروائي، لذلك وجد الشكلانيون أنفسهم مضطرين إلى القول بخطية زمن الخطاب في مقابل المستوى المتعدد الأبعاد لزمن القصة، بمعنى أن زمن الخطاب يخضع لتعاقب الأحداث كما هي عليه في الواقع، في حين زمن القصة لا يخضع بالضرورة لهذا المنطق اللغوي، بل يتعامل مع الزمن بشكل مختلف تفرضه سلطة الروائي، وأعتقد أن المشكلة التي لم نستطع نحن أن نفهمها، بل لم يستطع الفرنسيون أنفسهم أن يفهموها في ما يبدو لي، تتلخص في مفهوم الزمن في اللغة الروسية، فاللغة الروسية لا تعترف بالحاضر (Le présent ) وتتعامل معه كما تتعامل مع المستقبل (Le futur )، بل إنها ليست كالفرنسية في تقسيم الماضي حسب القرب أو البعد من اللحظة الزمنية، إذ هي لا تعترف إلا بماض واحد مثل العربية تماما، وأعتقد أننا نستطيع على ضوء هذه المعطيات – التي لم ينتبه إليها النقاد المغاربة ولا الفرنسيون- أن نفسر نظرة الشكلانيين إلى الزمن، لأنهم بنوا مفهومهم على معطيات اللغة الروسية وحدها، في حين تختلف بنية اللغة الفرنسية من حيث الزمن وصيغه (Modes ) عن اللغة التي كان يصدر عنها الشكلانيون، ولذلك نرى أنه من الضروري أن نتوقف عند خصوصيات اللغة الواصفة للعمل الإبداعي الروائي، ونفهم الزمن في علاقته بطرق الأداء اللغوي أو ما يسميه تشومسكي بالإنجـاز.
يختلف مفهوم الزمن في اللغة العربية عن مفهومه في اللغات الأوربية، فالصيغة الزمنية بتفريعاتها المعروفة: الماضي والمضارع والأمر، ليست بالضرورة دالة على زمن واحد قار، وكتب النحو التقليدي تسترسل في شرح هذه الظاهرة الفريدة في اللغة العربية، فالقول بأن الحال هو الزمن الذي يحصل فيه الكلام، والاستقبال هو الزمن الذي يبدأ فيه انتهاء الكلام مباشرة، والماضي هو الزمن الذي قبل الكلام () هو في الواقع قول على سبيل التغليب، وإلا فإن الممارسة اللغوية تبين أن هناك تداخلات كبيرة في الزمن ترجع إلى فهم علاقته بالدلالة، فالعقل النحوي العربي ينظر إلى الحدث في علاقته بالزمن، وبالتالي يصبح الزمن بتقسيماته النحوية عبارة عن “أيقونات” سرعان ما تحيل إلى معنى في الذهن له علاقة بالمدة/الوقت، وهو ما يفسر أن كتب النحو حينما تفرق بين الاسم والفعل، تعتمد معيار الزمن؛ فالفعل حدث مرتبط بزمن، في حين لا يرتبط الاسم[الدال على الثبات والاستقرار] بالزمن، ولعل المسألة هنا تتعلق بكون الفعل هو الزمن، في حين يمثل الاسم المكان أو الحيز.
يشير النحاة أيضا إلى ظاهرة أخرى قد تبدو غير مفهومة في علاقة اللغة العربية بالزمن، وهي ما اصطلح عليه اللغويون المتأخرون “بالزمن المسلوب”، وهي حالات يفقد فيها الحدث الزمن الدال عليه، فيصبح الماضي مثلا يدل على الحال، والمضارع على الماضي، وقد تتبعنا هذه الظاهرة في النحو فأمكننا أن نخرج بنتيجة قد تكون قادرة على تقريب مفهوم الزمن في الكتابة السردية العربية، وهذا بيانها:
أ- حالات الزمن الدال على الماضي:
ب- حالات الزمن الدال على “المضارع”:
يظهر من خلال الخطاطتين السابقتين أن الحدود بين الزمن الماضي والمضارع بنوعيه (الحال والمستقبل) تتلاشى، فالزمن الماضي يدل على نفس ما يدل عليه الزمن المضارع ()، ومن ثم نعتقد أن الزمن في العربية قد يكون خادعا لو أننا تعاملنا معه بالدلالات المألوفة، ومن هنا فإننا نعتقد أن دراسة الزمن من خلال الفعل النحوي لن توصلنا إلى نتيجة دقيقة مقبولة من مفهوم الزمن في الرواية المغربية والعربية، فالزمن يظهر من خلال اللواصق الاسمية أو الحرفية، بما فيها الظروف، وعليه يتعين أن تشمل الدراسات النقدية في مجال الرواية الدرس الأسلوبي للغة وأبنية الجملة، لاعتقادنا أن الزمن لا يوجد في صيغ الفعل ولكن يوجد في سياق الجملة(). ولعل العمل الذي قام به “Versteegh ” لا يبتعد عن البحث في زمن الفعل مجردا من سياقاته اللغوية، مما جعله يقرر نتيجة لا تشمل كل أشكال الزمن في اللغة العربية()، فقد رأينا أن الفعل النحوي غير كاف لتحديد مفهوم الزمن خاصة في الأشكال السردية ومنظوراتها اللغوية والأسلوبية، مما يطرح أمامنا مشاكل تتعلق باستيعاب مفهوم الزمن وخلفياته الدينية والميتافيزيقية في الاشتغال النقدي العربي ().
2- مقولة الصيغة:
لا تجمع المعاجم الفرنسية التي عدنا إليها على تعريف واحد مضبوط لمفهوم “صيغة”، فهي تارة ترتبط بالأشكال النحوية في علاقتها بوضعيات الكلام()، وهي تارة ترتبط بتقنيات تأدية الكلام، باعتماد وسائل تواصلية مثل الإقناع والعرض والاسترسال والإشارة وغيرها من العلامات اللغوية وغير اللغوية ()، مما يجعل وضعية دراسة “الصيغة في الخطاب الروائي” عملية محفوفة بالانزلاقات المنهجية المصاحبة عادة لدراسة المفاهيم المجردة، أو تلك التي تنتمي إلى مجالات اشتغال مختلفة، إن الصيغة بالمفاهيم التي أوردناها سابقا لا تخرج عن المفهوم اللغوي الشائع والمرتبط أصلا بالإنجازات النحوية واللسانية، فحينما نقول “وضعيات الكلام ” فإن مرجعيتنا هي الجماليات البلاغية التقليدية، ومهما حاولنا أن نتحايل على المفهوم فإننا نجد أنفسنا دائما أمام صلابة المفهوم النحوي البلاغي، مما يعطينا تصورا بأننا نلوي عنق المفهوم ليتلاءم مع حاجياتنا المتزايدة لضبط العملية السردية وتفسير الظواهر اللغوية، وربما يكون من الأفضل أن نتحدث عن تقنيات عرض الأحداث وأشكال القول بدلا من الصيغة التي تحيل إلى الفعل اللغوي.
لقد كان الشكلانيون الروس واعين بالمشاكل المنهجية التي تصاحب استعمال هذا المفهوم المجرد/الصوري لذلك استبعدوا الحديث فيه على أساس أن الحديث في الوضعيات اللغوية تقودهم بالضرورة إلى الحديث عن التحليل اللغوي الذي يرجع إلى المدرسة الفيلولوجية والتوجهات التاريخية، وهو ما لا ينسجم مع الإطار المنهجي والنسق المعرفي الذي يشتغلون في إطاره، صحيح أن الشكلانيين الروس حاولوا أن يتحدثوا عن وضعيات مطابقة للفعل اللغوي، لكنهم في الواقع لم يتحدثوا في اللغة وإنما تحدثوا في أشكال تأدية الكلام، ولشعورهم بصعوبة المهمة فإن أغلب ما قدموه من أبحاث في الصيغة كان على المسرح ولم يكن أبدا على الرواية، لأن المسرح يجسد بأشكال مختلفة الوضعيات القولية غالبا بأشكال غير لغوية، وهو ما أشرت إليه في الفقرات السابقة بالإشارة وأضيف الآن كل العناصر التي يمكن تجسيدها دون أن ننطق بها على الخشبة، أما في الرواية فإن الأمر مختلف إذ يتعلق الأمر باللغة أكثر مما يتعلق بالإشارات أو ما يسميه المسرحيون بِـ”المصاحبات النصية” لنكن أكثر تدقيقا فإن الأمر في الرواية يعتمد نظاما واحدا هو نظام العلامات اللغوية، في حين يعتمد المسرح نظاما آخر هو نظام مزدوج: فمن جهة يوظف اللغة بشكل أساسي لكنه لا يستطيع أن يتخلى ولو للحظة واحدة عن “المصاحبات النصية”، فالمسرح يعتمد نظاما مزدوجا لذلك وجد الشكلانيون فيه نصا قابلا لتطبيق المفاهيم الجديدة.
في كلمة لِـ”أيخنباوم” يتحدث عن نوعين من السرد: هناك سرد بالمعنى الحرفي وهو الذي يقوم به الراوي، وهذا النوع لا يهم لأنه يعتمد اللغة المباشرة، والنوع الثاني من السرد هو السرد المشهدي، وهي إشارة لافتة من “أيخنباوم” فهو يقصد بالسرد المشهدي أشكال تجسيد الأفعال الروائية، فهنا انتقال في التعامل مع المتن الروائي من اللغة الواصفة إلى الأفعال المشخصة، وكأن الإحالة هنا تعود إلى واقع آخر أكبر من اللغة الروائية، وهو موقف يبرز اهتمام الشكلانيين، أو على الأقل انتباههم، إلى أهمية الصيغة بالمفهوم الذي قدمه “أيخنباوم”، كما أشار “بروب” في تحليله للخرافة لبعض الصيغ التي تدخل في “الإمكانيات” الجسدية أو الذهنية التي يتمتع بها البطل لينجز لحظة سردية، ومن هذه الصيغ الأدوات السحرية التي يلجأ إليها للسيطرة وفرض الذات، فالصيغة التي يمكن أن تقدم بها هذه الأشكال السردية تجعل منها بعيدة عن تمثيل الواقع، لأنها في الواقع ليست سوى صدى لعادات قديمة، ومن هنا نفهم كلام “شلوفسكي” من أن الأدب المكتوب، ومنه الرواية، لا يتناول من العادات إلا ما أصبح قديما ولا يمثل الحياة الواقعية () ما يفهم من كلام “شلوفسكي” أن طريقة عرض الأحداث بالشكل القديم لا تنتج إلا قيما قديمة لا تمثل الحياة المعاصرة بأبعادها وتجلياتها الجديدة، فتصبح الصيغة بدلا من أن تكون أداة طيعة لتقريب الأثر الأدبي تصبح على العكس من ذلك عقبة لفهم الآثار الفنية، وهو الأمر الذي يرفضه”شلوفسكي”.
كما أشار “بروب” في معرض تحليله لمائة خرافة، إلى بعض الصيغ منها أفعال الذوات، فتعامل كل شخصية يختلف عن تعامل الشخصية الأخرى، ومنه يؤكد على فكرة التميز، والذي بدونه لا يمكن أن نفرق بين شخصية وأخرى، إذ بالصيغة وحدها نستطيع أن نميز على سبيل المثال بين طريقة عرض أفكار ومواقف كل شخصية، ومن هنا نؤكد أن موقف الشكلانيين الروس ينسجم تماما مع التوجه الذي انطلقوا منه في فرضياتهم وهو أن اللغة وأشكالها ليست سوى أشكال ثابتة تظهر بأنماط مختلفة، فكذلك الصيغة هي في جوهرها واحده، لأنه وظيفتها هي الإقدار على خلق الحدث السردي أو الفعل الدرامي، لكن في المقابل تظهر بتجليات مختلفة حسب السياقات اللغوية للبطل، فعلى سبيل المثال قد يلجأ البطل الثوري – كما عند باختين- إلى اعتماد صيغة الخطابة والبلاغة، كما لو أنه يذكرنا بعصر الملحمة، في حين نجد أن استعمالات هذا العنصر مختلفة من ذات إلى أخرى. لعلنا نحس بأن هذا الموقف من الصيغة يتأسس على مسلمات ميتافيزيقية واضحة وهي أن الشكل مستغرق في المكان، بمعنى أن الشكل هو الذي يجسد الحقيقة من الوجود، أو بتعبير آخر: يعتقد الشكلانيون الروس أن الشكل هو الحقيقة المطلقة التي تؤسس القيمة الجمالية، وبدونه لا يمكننا أن نتحدث عن ماهية أو أنماط ثورية.ونحن لا يعنينا هذا الجانب الميتافيزيقي رغم أهميته في فهم طبيعة الصيغة عند الشكلانيين بقدر ما يهمنا رأيهم في وظيفة الصيغة، إذ يكادون يجمعون على أن للصيغة قيمة أساسية تكمن في أنها تساعدنا على تبين عدد من العناصر الثابتة في العمل السردي، وفي العمق إن بحث وظيفة الصيغة هي حفر في الذاكرة البشرية واستقراء لتاريخها الطويل وتصنيف شفراتها، كما سنرى مع تودوروف،فيما أسماه بالسجلات(registres ).
إذا انتقلنا إلى الموقف الذي قدمه سعيد يقطين، وهو الموقف الذي يمثل عنده المشروع العربي لنقد الرواية، نجد أن هناك ضبابية تامة في ما يتعلق بتحديد مفهوم الصيغة، فهو بعد أن استبعد الجوانب اللغوية يركز على صيغتين أساسيتين هما صيغتا العرض والسرد، ونبادر إلى القول بأن السرد ليس صيغة، إلا في حالة واحدة، عندما يكون الحكي شفويا، أما أثناء التلقي الكتابي فإن السرد يتحول إلى تقنية كتابية، فهو في هذه الحالة يشبه الوصف ويتقاطع معه، أما في ما يخص العرض – وهي حالة المسرح الأولى- فإن البحث ينبغي أن يتوجه كما ألححنا على ذلك في فقرة سابقة إلى اللغة، وهنا تمدنا البلاغة التقليدية بإمكانيات قرائية هائلة في فهم الدوافع المختلفة للصيغ، كما أن تقنيات تحليل الخطاب العربي، وهي دراسات غائبة نؤكد أهميتها في هذا السياق وهي قادرة على حل الكثير من الإشكاليات المتعلقة بفهم الصيغة في اللغة العربية، وبدون هذه الدراسات يظل فهمنا للصيغة قاصرا يدور في فلك ما أنجز من دراسات غربية، دون التعمق في فهم الأسئلة العميقة التي يطرحها الخطاب العربي في استقلال تام عن أنواع الخطابات الأخرى، إن السرديات العربية يجب أن تستفيد من التقدم الهائل في مجال نظرية الأدب والمناهج الحديثة، لكن في المقابل ينبغي- في نظرنا- الانطلاق من أرضية صلبة، تعتمد الأشكال التعبيرية العربية وليس الصيغ الأجنبية التي لا يمكن عزلها عن طبيعة اللغات الغربية.
3- مقولة الرؤية:
ارتبط مفهوم الرؤية في الأذهان بِـ”لوسيان كولدمان” مؤسس البنيوية التكوينية وموضح معالمها، لكن هذا المفهوم له جذور فلسفية ودينية تتجاوز البنيوية التكوينية بزمن طويل، إذ يكاد يجمع الدارسون أن هذا المفهوم من نحت “ديلكي” في كتابه “مدخل لدراسة العلوم الإنسانية”، وقد استعمل هذا المفهوم أيضا “ياسبرس” و”لوكاتش”()، وقد ارتبط هذا المفهوم بنظرة غيبية تنظر إليه لاعتباره محتوى تجريدي، يتجه نحو ما ينبغي أن تكون عليه الحياة المادية، عبر استغلال الطاقة الإبداعية في كشف خبايا الحياة، وهو تحقق نلمسه عند الفلاسفة الأوائل كأفلاطون وأرسطو في ما بعد، إن الرؤية من هذه الزاوية تتعلق بالحقائق غير المنجزة والتي لا يمكن أن تكون إلا في عالم المثل، عالم الحقيقة الخالصة، في ما بعد سيصبح هذا المفهوم مرتبطا أكثر بمفهوم اجتماعي صاغه “لوكاتش” هو مفهوم “الطبقة” باعتبارها العامل الذي باستطاعته تحريك عجلة التاريخ البشري، والواقع أن ما تخوف منه “جان دونينيو” من كون الرؤية تخلصت من الطابع الإيديولوجي، هو نفسه ما نجده يتكرر في كتابات الشكلانيين على اختلافات طبقاتهم()، وعلى الأخص في فترة التأسيس، إذ تتقاطع الرؤية إلى العالم مع مفهوم الإيديولوجيا، وبالتالي يتخذ المفهوم بعدا ضيقا بما يجعله غير قادر على استيعاب العالم نفسه، على أن مفهوم الرؤية لم يستقر في هذه الدائرة الضيقة بل ارتبط في مرحلة أخرى بالإبستيمولوجيا، أي بالمعرفة العلمية الحدسية كما نجد ذلك في ما بعد عند “بركسون”.
إن مفهوم الرؤية إلى العالم تحكمت في صياغته مجموعة من العوامل بعضها علمي وأكثرها إيديولوجي، ومن هنا نفهم التعقيد والاختلاف الكبير بين النقاد والفلاسفة، فبينما يصر الفلاسفة، إلى اعتماد معايير ميتافيزيقية على شاكلة ما رأيناه عند الفلاسفة الأوائل، فإن النقاد يحاولون اعتماد اللغة وما توفره من إمكانيات قرائية، ولذلك تميزت نظرة كولدمان في الرؤية إلى العالم بأنها انطلقت من فروض لغوية ومن قاعدة نظرية تعتمد المخزون الأسلوبي في الرواية، وهذه النظرة التي كانت مهمة في وقتها، والتي أنارت في نفس الوقت مجالا جديدا في البحث النقدي، تعتمد فرضية أساسية هي كون الرؤية شبكة من العلاقات المتشابكة لا تظهر بشكل عفوي وإنما ينبغي الكشف عنها بتفتيت بنيتها تبعا للمنظور الذي نقيم بواسطته القراءة، وهو ما يجعلنا، على غرار ملاحظات قدمها نقاد البنيوية التكوينية، نتساءل عن مشروعية استعارة مفهوم المنظور من المجال البصري إلى مجال الرواية اللغوي، وما يتبع ذلك من اختلاف العوامل وطرق الدرس، على أن كولدمان لا تهمه هذه الفروقات الدقيقة بين المنظور البصري والمنظور اللغوي، فهما في نهاية المطاف أسلوبان تعبيريان يوصلان إلى الهدف، وعليه فإن الرؤية إلى العالم عند كولدمان هي مزيج من العوامل الذاتية والخارجية، فالرؤية للعالم هي كل الأفكار التي توحد فكر الجماعة بما يجعلها تدخل في صراع أو تعارض مع مجموعات بشرية أخرى، إن الرؤية للعالم إذا هي موقف جماعي من الحياة، أو بنية عقلية تخص فئة بشرية بما يجعلها تنظر إلى علاقتها بالآخر نظرة مختلفة، وهو ما عبرنا عنه في الفقرات السابقة بكون النقد الروائي في المغرب ينبغي أن يركز على البيات أي: على الثوابت وليس على المتغيرات المحكومة بزمنها وظروفها الآنية، مما يجعل البحث في الثوابت كما رأينا مع الشكلانيين [ولا نقصد بالضرورة الشكلانيين الروس]، أساس العمل النقدي لأنه يتجاوز المعنى الحرفي إلى محاولة تأويله وقراءته، ومن هنا إصرار “كولدمان”على أن “الرؤيات للعالم ليست وقائع فردية بل وقائع اجتماعية”() ، مما يجعل التفكير في وجهة النظر هو في الواقع تفكير في أهم قضايا المجتمع، لكن السؤال الذي يطرح هنا أن الرواية ليست تعبيرا مباشرا عن الواقع إلا إذا فهمنا أن اللغة هي في طبيعتها انعكاس لصور المجتمع وأنماط تكونه، فالرواية بما هي نص لغوي علائقي تمتلك مقدارا لا يستهان به من التخييل، بل إن التخييل هو الذي يشهد لطابعها الأجناسي، ومن هنا نؤكد أن وجهة النظر ينبغي أن تشمل البنيات غير اللغوية كالإشارات بما هي مستودع للعقل البشري وخزان للتجربة العالمية، وليس فقط على الثوابت التي أشرنا إلى بعضها في الفقرات السابقة، مما يعطي لوجهة النظر بعدا شموليا.
يركز “كولدمان” على أن وجهة النظر تتميز بخصائص ثلاث:
– كل رؤية هي ظاهرة اجتماعية لا فردية.
– كل رؤية تتميز بالشمول والإحاطة. (نسقية الرؤية).
– كل رؤية هي عالم منسجم ومتماسك ().
هذه الخصائص تؤكد بوضوح أن الهم الذي كان “كولدمان” يصدر عنه هو ضرورة أن يخضع مفهوم الرؤية إلى نسق فكري يرجع إليه، وهو ما يذكرنا بأعمال المناطقة وأعمالهم في ضبط الخطاب، وهكذا يصل إلى نتيجة وجودية هي كون الرؤية إلى العالم رؤية مأساوية تحكمها ثلاث ضوابط هي الله والعالم والإنسان.
وبعد هذا التقديم الموجز لمفهوم الرؤية عند الشكلانيين، فإننا نتساءل عن مفهومها في الرواية العربية، كيف ننظر إلى هذا المكون من خلال الممارسة النقدية والإبداعية، هل الأبطال الروائيون في الرواية المغربية والعربية قادرون على تكوين رؤى تتصف بالحد الأدنى من الشروط المذكورة؟
للإجابة على هذه الأسئلة المركزية في الرواية العربية يشدد يقطين على العلاقة الوثيقة بين المنظور والصوت، فهو يضمن الرؤية كل الأبعاد وليس فقط البعد البصري الذي يؤكده فعل الرؤية في اللغة العربية ()، فباعتماد معيار الراوي نجد أنفسنا أمام وضعيتين :
1- الوضعية البرانية: وهي وضعية الراوي غير المشارك في الحكي.
2- الوضعية الجُوانية: وهي وضعية الراوي المشارك في الحكي.()
في حين إذا اعتمدنا معيارا آخر هو مكون “التبئير” في علاقته بالصوت، فإننا سنحصل على أربع أنواع من المنظورات أو الرؤى وهي على التوالي:
1- رؤية برانية خارجية= التبئير في الدرجة الصفر.
2- رؤية برانية داخلية= التبئير الخارجي.
3- رؤية جوانية داخلية.
4- رؤية جوانية ذاتية.(الرؤية الثالثة والرابعة تقابل التبئير الداخلي.)().
ورغم التفاصيل الكثيرة التي أوردها يقطين كمحاولة منه لإقناعنا بانسجام رؤيته إلى مفهوم الرؤية في الرواية العربية، فإننا نسجل الملاحظات المنهجية التالية إيمانا منا بأن تعميق النقاش في هذه القضايا الجوهرية في النقد المغربي من شأنه أن يوضح الرؤية ويدفع الإبداع إلى الأمام.
إن التقسيم الذي اقترحه يقطين لم يقدم شيئا جديدا للرواية المغربية والعربية، فهذا التقسيم معروف بالنسبة لنا في كتابات كولدمان ولوكاتش وتودوروف، مما يدفعنا للتساؤل عن إمكانية تطبيق وجهات النظر السابقة (النظرة المأساوية مثلا في كتابات لوكاتش)، على الرواية العربية، وهو تناقض منهجي صارخ، إذ كيف يعقل إذا صرحنا مع باختين بأن الرواية شكل غير مكتمل، وأن ليس هناك شكل روائي، كيف يمكن أن نتحدث عن رؤية متكاملة في شكل ناقص، خاصة وأننا نعلم أن الرواية العربية لم تزل بعد في مرحلة البحث عن الهوية()، على أن مفهوم الرؤية بالشكل الذي قدمه يقطين لا يشمل كل الرؤى الممكنة، رغم أنه يشير منطقيا إلى كل الحالات الرياضية عن طريق القلب والجمع بين الحدود، لكن في المقابل فإن الرؤية التي نتحدث عنها تتميز بالوحدة من جهة على أساس أنها تعبر عن بنية جماعية ،لكن في الوقت نفسة فإن النص الروائي حافل بوجهات نظر مختلفة بسبب التعارضات والصراعات التي أشار إليها “كولدمان”، في حين يظهر الموقف العربي في نسخة يقطين سكونيا، وكأنه يرضخ للواقع المهين الذي تعيشه الأمة، فليس هناك تطور لفهم الرؤية وليس هناك صدامات تفرضها اللغة الروائية، وهو توجه تكذبه التجارب الروائية المغربية والعربية، بل تكذبه حتى النصوص الروائية التي قام يقطين بدراستها، مما يورط الجهاز المفاهيمي الذي استعمله سعيد يقطين ويجعلنا نعيد النظر في الأسس النظرية التي انطلق منها.
إن الرواية العربية مطالبة في هذه المرحلة بتكوين رؤية نحو العالم، أو صياغة منظومة فكرية لتفسير الظواهر الاجتماعية بعيدا عن التوجهات المفروضة من سلطة اللغات الأجنبية، وهو ما نكرره دائما، إن السرديات العربية عليها أن تعود لاستغلال المكونات الجمالية للغة العربية، وصياغة أشكال تنبع من العمق الإستراتيجي العربي وليس اختزال النظرات البعيدة عن خصوصياتنا، وبهذا التوجه فإننا نستفيد من النتائج المهمة في مجال السرديات العالمية، ولكن ليس بالشكل الذي نبحث فيه عن رؤية عربية معاصرة، بعيون أجنبية.
k – الاتجاه الشعري أو[المدرسة الفرنسية في النقد الروائي المغربي].
لقد استفاد سعيد يقطين من الاتجاه الفرنسي بشكل أساسي، خاصة من كتابات “تودوروف” و”جيرار جنيت”، فحضور هذين ((الناقدين)) لافت بشكل كبير، بل إن “سعيد يقطين” يصرح بذلك في أكثر من مناسبة() مما يضعنا بوضوح في الإطار المرجعي والمفاهيمي الذي صدر عنه. لقد حاول يقطين استغلال المفاهيم الجديدة التي صاغها كل من “تودوروف “و” جنيت ” في تحليل الخطاب، خاصة المفاهيم المتعلقة بالزمن والصيغة والرؤية، وهي المفاهيم الثلاثة التي يحاول أن يقيم عليها ما أسماه بنظرية سردية عربية.
1- “تخطيب” الزمن:
يميز “تودوروف” في تحليل الخطاب الروائي بين زمنين: زمن القصة وزمن الكتابة()، وهو تمييز يذكر بإجراءات الشكلانيين الروس، فزمن الكتابة يحيل إلى مرجعية خارجية تنطلق من فرضية مفادها استقلال اللحظة الإبداعية زمنيا عن النص الإبداعي، وهو زمن يتميز بتفرده منهجيا، ذلك أن زمن الكتابة المستقل ببنيته سرعان ما يصبح عنصرا أدبيا بمجرد أن يتم إدخاله في القصة، وهو لحظة يلجأ فيها الروائي إلى حكي زمن الكتابة، وكأن الزمن هو الذي يحكي، في حين يتم على المستوى الثاني أي زمن القراءة تحديده في أذهاننا على أنه جزء من النص، ولا يمكن الاستغناء عنه، ومع ذلك فإن هذا التمييز بين الزمنين يحتاج إلى وقفة متأنية، فما هي القيمة العلمية التي يضيفها هذا التمييز لتحليل الخطاب الروائي، إن المسألة هنا في نظرنا لا تتعدى الشغف بالتقسيمات والتفريعات، وإلا فإن زمن الكتابة لا يفيد في تحليل الرواية، بل إن الاهتمام به يضرب في أساس نظري بالغ الأهمية عند تودوروف، يتعلق الأمر بأن الرواية عالم مغلق يفسر نفسه بنفسه كما رأينا في الفقرات المتقدمة، فلا حاجة إذاً لمثل هذه التفريعات، إن التخوف الأساسي في دراسة الزمن الروائي يتمثل في اللغة والزمن اللغوي، أما دراسة ما أسماه تودوروف بزمن الكتابة فيدخل في أطار آخر هو ما أسماه “جيرار جنيت” فيما بعد بِـ”علم المرافقات”، وهكذا يخلص تودوروف إلى أن تمظهرات الزمن مختلفة، فالزمن الروائي يظهر من خلال عناصر أساسية مثل “التضمين”و”التسلسل”و”التناوب”، وهذه العناصر تحدث عنها تودوروف في سياق حديثه عن أنماط الحكي، ويقوم بربطها بالزمن مما يطرح إشكالية الخلط بين مفهوم الحدث ومفهوم الزمن، بالإضافة إلى أن عناصر التضمين والتسلسل والتناوب هي علاقات منطقية ونسجل أيضا بأنها علاقات لغوية تنتمي إلى مجال البلاغة الشعرية، وقد رأينا قبلُ ضرورة التمييز في الخطاب الروائي بين العناصر التي تنتمي إلى اللغة الواصفة: الفعل والاسم والسوابق واللواحق…وبين العناصر التي تنتمي أصلا إلى الحكي، وهو تمييز ضروري بل إنه جوهر الطرح الشعري منذ “جاكوبسون” ولعل من الغرائب أن يقع إجماع ثلاث مدارس نقدية على هذا الأصل، فَـ”توماشوفسكي” يميز بين المبنى الحكائي والمتن الحكائي أي: بين زمن القصة وزمن السرد، و”كونتر مولر” يميز بين الزمن المسرود وزمن السرد، وهو ما يعطي لفكرة التمييز بين المستويين قيمة علمية على المستوى النظري.
بتركيب هذه العناصر نحن بإزاء ثلاثة أنماط زمنية تتفاعل فيما بينها لتصنع عالم المتخيل الروائي، وهي زمن القصة وزمن الكتابة وزمن القراءة، وهي ثلاث مكونات لا يحيل عنصر منها إلى العنصر الآخر بمعنى لا تكون بنية في ما بينها، فنحن باستطاعتنا على سبيل المثال أن نفهم زمن القراءة دون معرفة بزمن الكتابة أو زمن القصة، لكن التداخل المفترض بين هذه الأزمنة لا يكون على مستوى النص وإنما يكون على مستوى التأويل/القراءة، مما يجعلنا نتساءل عن الحدود التي تفصل بين هذه الأزمنة الثلاث، واضح من خلال كتابات تودوروف أن العلاقة بين هذه الأزمنة متداخلة بشكل يصعب معه أن نفصل بينها، ولكن مع ذلك فإن تودوروف يميز بين هذه الأشكال الزمنية ببعض المقومات/السمات، فزمن الكتابة يعتمد راهنيته وآنيته وهو زمن جامد، أما زمن القصة فهو زمن متحرك ومتداخل، زمن افتراضي لا يعترف بالحدود الزمنية البسيطة والخادعة أحيانا، ولعله يتوجس أكثر من أزمنة الفعل اللغوي، في حين زمن القراءة يخضع لإرادة الناقد/المتلقي وهو يخضع للشروط الاجتماعية والنفسية والفكرية للمتلقي، ولكنه لا يؤثر على النص الروائي، ولا يتدخل في تغيير بنيته اللغوية لأنه يمارس قراءته من الخارج.() ومع كل هذه التفريعات يعود تودوروف لتأكيد “إمكانية تحليل زمن الخطاب من خلال إبراز المسافة بين تمثيل الزمن في الفعل مع راهنية إنجاز التلفظ [على أساس أن] الزمن مظهر من مظاهر الإخبار يتيح إمكانية الانتقال من الخطاب إلى القصة”().
على مستوى آخر نجد “تودوروف” ينطلق من الحكي لتعريف الزمن، فبما أن الحكي هو في عمقه مقطوعة زمنية، فإننا نميز فيه بين نوعين زمنيين: زمن الشيء المحكي وزمن الحكي، فزمن الشيء المحكي يمثل الدوال/ العلامات أو “الأيقونات” في حين يمثل زمن الحكي المدلولات، فنكون مع جنيت أمام منظومة لغوية تعتمد مفهوم العلامة عند “سوسير”، نلخصها في الشكل التالي:
– د.محمد مصايف: دراسات في النقد والأدب،ش.و.ن.ت- الجزائر،ط1/1981.ص19.
– نعتقد أن هذه الظاهرة وحدها تصلح لكتابات عميقة،فلو قمنا بعملية إحصائية بسيطة في أية مجلة تهتم بالنقد الأدبي ،فالملاحظة الأساسية الأولى بعد الرجوع إلى قائمة المصادر والمراجع هي الحشر الكبير والعنيف في الوقت نفسه لمختلف المدارس النقدية الأوربية،وكأن الناقد يقصد إلى ذلك قصدا،وهي ظاهرة تنبئ أننا لو أصررنا على هذا فإن النقد الروائي عندنا لن يمكنه أبدا أن يؤسس وجوده المستقل وسنبقى دائما عالة على غيرنا ،وهو الأمر الذي لا يقبله أحد من النقاد.
– ميخائيل باختين: الملحمة والرواية، ترجمة جمال ستحيد، كتاب الفكر العربي، بيروت/1982 ص20.
– عبد الفتاح الحجمري:(النقد الروائي)،مجلة علامات(مغربية) ع14/2000ص24.
– د.عبد الرحمن بوعلي: (أثر المنهج السوسيولوجي في الدراسات النقدية العربية)،مجلة الوحدة، ع49/أكتوبر1988 ص ص 30-31.
– جماعة من الأساتذة: المنهج في الأدب والعلوم الإنسانية،تقديم الطاهر وعزيز،منشورات دار توبقال- ط1/1986 ص6.
– هذا الترتيب مقصود،فالمعلوم أن الأمريكيين قد تأثروا بالاتجاهات البنيوية قبل الفرنسيين،ومع ذلك حرصنا على تقديم الاتجاه الشعري الفرنسي على الاتجاه النفعي الأمريكي،وذلك لأن النقد الروائي المغربي- كما سيتبين – استفاد أكثر من التطبيقات الفرنسية أكثر من أي اتجاه آخر.
– انظر: ول ديورانت:قصة الفلسفة، ترجمة د.فتح الله محمد المشعشع، منشورات مكتبة المعارف ط5/1985،ص ص375- 383 ،وانظر كذلك ما كتبه د.عمر محمد الطالب:مناهج الدراسات الأدبية الحديثة،دار اليسر،ط1/1988 ص194.
– ينظر بهذا الصدد كتاب:نظرية المنهج الشكلي،نصوص الشكلانيينالروس،ترجمة إبراهيم الخطيب،الشركة المغربية للناشرين المتحدين،بيروت(كذا !!)ص33.
– نشير بهذا إلى بعض الأشكال التراثية كفن المقامة وأيام العرب وتهاجي الأعراب وفن الإلقاء والخطب وجولات الفروسية التي تعتبر كلها أشكالا سردية،والتي تحتاج في الوقت ذاته إلى دراسات مفصلة.
– جمال الغيطاني:الزيني بركات، دار المستقبل العربي- ط3/1985.
– حليم بركات:عودة الطائر إلى البحر،دار النهار،ط1/1969.
– تيسير سبول:أنت منذ اليوم، ابن رشد(الأعمال الكاملة)/1980.
– إميل حبيبي: الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل، دار الفارابي-ط2/1974.
– حيدر حيدر: الزمن الموحش،المؤسسة العربية،ط2/1979.
– سعيد يقطين:تحليل الخطاب الروائي،ص71.لمزيد من الاطلاع انظر:
H. Weinrich: Le temps,ed Seuil,coll. Poétique 1973 p58.
– يتحدث ناقد محمد سويرتي على شكل آخر من الزمن لعله أخذه مشوها من بارت،هو الزمن في الدرجة الصفر، الذي “يتأسس على تطابق أو تفاوت زمن المحكي وزمن القصة”، وكأن مفهوم الدرجة الصفر مفهوم عائم نلقي به كيفما اتفق،انظر محمد سويرتي: النقد البنيوي والنص الروائي، نماذج تحليلية من النقد العربي،منشورات إفريقيا الشرق- البيضاء 1991- ص53.
– د.عمر محمد الطالب: مناهج الدراسات الأدبية الحديثة، ص203.
– عباس حسن: النحو الوافي، دار المعارف- مصر- ط 5، بدون تاريخ، ج1/46 هامش رقم 1.
– عباس حسن: النحو الوافي،ج1/ص ص 50- 62.
– لقد انتبه أبو الفتح عثمان بن جني (230- 392) إلى أن الزمن لا يتعلق فقد بالفعل وإنما يتجاوزه إلى الجملة، أنظر على سبيل المثال ما كتبه في:اللمع في العربية، دار الكتب الثقافية- الكويت/1972، تحقيق فائز فارس، ج1 ص23.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص83.
– للمزيد من الاطلاع حول مفهوم الزمن يرجى الاطلاع على الكتب التراثية التالية:
– جمال الدين الأنصاري(؟- 761): مغني اللبيب، دار الفكر- بيروت/ 1985، ط6 تحقيق د.مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، ج 1ص184 وَ 896.
-عبد الله بن يوسف بن هشام (708- 761): شرح شذور الذهب، الشركة المتحدة للتوزيع- دمشق، ط1/ 1984، تحقيق عبد الغني الدقر، ج1 ص102.
– Voir : Dictionnaire Hachette encyclopédique illustré; paris, version 1999 p1230.
voir aussi – Robert: Le petit Robert, Dictionnaire analogique et alphabétique de la langue française. Disque optique compact, Cd-rom, Version 1.1/1996.
Et le Micro – Robert ,ed Montréal ,canada 1989, p 811.
– O.Ducrot et T.Todorov: Dictionnaire encyclopédique des sciences du language; ed Seuil/point 1972 ; p110.
– صلاح فضل: نظرية البنائية في النقد الأدبي، مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة، 1980 ص63.
– عمر محمد الطالب: مناهج الدراسات الأدبية الحديثة، ص234.
-Voir par exemple : Lénine : Ecrits sur l’art et la littérature, éd du progrès, Moscou 1978, pp 269-275.
– L. Goldman : Recherches dialectiques, NRf Gallimard, Paris 1982, P46.
– اعتمدنا في هذا التركيب كتاب:عمر محمد الطالب: مناهج الدراسات الأدبية الحديثة، ص ص 236- 237.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص308.
– نفسه، ص309.
– نفسه، ص311.
– اعتمدنا في هذا الحكم ما قرره بشير القمري:(نمذجة الرواية المغربية: مدخل تنظيري تصنيفي)، آفاق(مغربية) ع2/1989ص 82.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص 50و 194.
– نفسه، ص74.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص74.
– T. Todorov : Poétique, P 52.
يؤكد هذا الطرح التداخل الشديد بين “تحليل الخطاب” كما مارسه”تودوروف” و”جيرار جنيت” وبين اللسانيات العامة كما مارسها في بدايات القرن الماضي “فرديناند دوسوسير”، وكأن ما قام به جنيت في هذا التمييز لا يتعدى استبدال دوال جديدة بدوال قديمة، مع فارق بسيط هو تأكيد “جنيت” على أن الزمن يشتغل بواسطة ثلاث تقنيات هي تقنية الاستباق والإرجاع والسعة، ويقدم لذلك نصوصا من النشيد التاسع للأوذيسا، مع أننا نعلم أن تودوروف يميز بين النص الروائي والنص الملحمي، على أساس الانفتاح والانغلاق، فالنص الروائي منفتح في حين يعتبر النص الملحمي مكتملا وبالتالي لا يصلح للتمثيل على عناصر تنتمي أصلا بأصل تكونها إلى العالم الروائي وليس إلى عالم الملحمة، لأن الزمن في الملحمة لا يتطور، بل يوضع مكتملا منذ البداية، مما لا يساعد على جعله موضوعا للسرد، في حين يختلف الأمر في الرواية، وهذه من الأمور الدقيقة التي ينبغي الانتباه إليها في دراسة الزمن الروائي.
ومن ثم يستعير سعيد يقطين من “جنيت” هذا التمييز – رغم أنه في نظرنا لا يستقيم- ويقوم بتفريعه مرة أخرى إلى مستويين: مستوى الزمن الداخلي ومستوى الزمن الخارجي() ويقصد بالداخلي العناصر الدالة على الزمن الطبيعي مثل السنوات والشهور والأيام والفصول، ويقصد بالمستوى الخارجي ما تدل عليه محددات أخرى لا تشير إلى الزمن مباشرة مثل الرسائل والخطب والحروب…إن هذا التقسيم كما يبدو لنا لا يدرس الزمن بل يدرس العناصر التي يظهر فيها الزمن، ونعتقد أن هناك فرقا شاسعا بين أن ندرس الزمن كبنية أساسية في السرد وبين أن نركز في درايتنا على أشكال تحقق الزمن، وكأننا نحس ونحن نتتبع منطقية التحليل المقدم من قبل سعيد يقطين أنه حين لا تسعفه التعاريف التي أخذها من المدرسة الفرنسية يلجأ إلى البحث بعيدا في أشكال لا تنتمي أصلا إلى الموضوع مثل النصوص المرافقة: الخطبة والرسالة والخبر الصحفي وأشباه هذه المؤشرات.
2- نصية الصيغة السردية:
على عكس الشكلانيين لا يقيم “جنيت” تمايزا واضحا بين الصيغة والخطاب، “لأن دورهما يكمن فقط في حكي قصة أو نقل أحداث حقيقية أو متخيلة”() ولا يتعدى مفهوم الصيغة عنده “أنواع الخطاب المستعملة من طرف السارد”() وهو ما يجعل من الصيغة عنصرا سرديا كباقي العناصر، فلا يمكن للصيغة أن تتحقق إلا داخل الخطاب الروائي/النص الإبداعي، وتحققها مرهونة بالسارد نفسه، ولتوضيح هذه المسألة يلجأ جنيت إلى المقارنة بين خطاب أفلاطون وخطاب هوميروس؛ فتوصل إلى أن خطاب هوميروس خطاب منقول يحاكي الشخصيات، بينما يعد خطاب أفلاطون خطابا غير مباشر لأنه لا يحاكي، بل يلجأ إلى صيغ الإيهام مثل الحذف أو الزيادة…وهو ما يجعل من صيغته عنصرا سرديا وسيطا () ومن هنا يميز “جنيت” تبعا للصيغة بين أنواع من الخطابات السردية:
1- الخطاب المسرود: يعتمد صيغة إخبار بعيدة (الحديث بصيغة الغائب).
2- الخطاب غير المباشر: أسلوب المحاكاة المباشرة.
3- الخطاب المنقول المباشر: وهو المحاكاة التامة للخبر.
تبعا لهذا التقسيم – الذي نعتبره غير مضبوط بما يكفي- فإن الصيغة تتخذ هي الأخرى أساليب متعددة تتصل بالسارد، فالصيغة إذا إما محاكية للحدث بشكل تام (إخبار مطابق) أو محاكاة جزئية (يتدخل السارد فيها بالتخييل) وإما بعيدة يقرر الحدث فيها شخصية أخرى تنوب عن السارد، ومن ثم يتضح لنا أن الصيغة عند “جنيت” هي العلاقة بين السرد واللغة، خاصة أن جنيت يتحدث عن مفهوم آخر استقاه في نظرنا من النحو الألماني دون أن يشير إليه وهو مفهوم “Polymodalité “(كذا !)() مع أنه يشير إلى تطبيق هذا المفهوم على كتابات “بروست” من خلال ربطه بين التبئير والصيغة، فيؤكد كون تلك الممارسة تراوح بين الصيغ الثلاث للتبئير من إرادة الوعي عند البطل إلة إرادة الوعي عند الراوي لتستقر بين الفينة والأخرى على الشخصيات في اختلافها().
إذا حاولنا تلخيص موقف “جنيت “من الصيغة- رغم ما في التلخيص من جناية على الفكر- فإن الصيغة ليست سوى مجموع الطرق التي يؤدى بها الخبر، وحتى وقت قريب كان هذا التعريف مقبولا، وإلا فإن المشكلة التي تصادفنا اليوم تتعلق بالسرد والعرض في علاقتهما باللغة، ذلك أن السرد هو فعل من أفعال اللغة لأنه يحاكي مضمونها بشكل من الأشكال وبالتالي تطرح مشكلة الحدود الدقيقة بين هذه الصيغ، لذلك يصر جنيت على التمييز بين فعل الحكي المنتمي أصلا للغة وفعل العرض الذي هو مشهد حركي في أصله، وهو تمييز يفهم في اللغة الفرنسية في الفرق بين الفعلين “Raconter “و”Montrer “، فالتمييز بين الفعلين غير دقيق لأن الفعل “عَرَضَ” لا يمكنه بشكل طبيعي أن يدل على أقوال الشخصيات ()، ومنه إذا حاولنا الجمع بين الفعلين فإن الإيحاء الأول الذي يمكن ملاحظته بكل وضوح هو أن العرض يصبح ذا طابع مشهدي، وبالتالي لا نستطيع التمييز بين ما ينتمي للسرد أي إلى اللغة وبين ما ينتمي إلى التشخيص أو النصوص الشفوية().
إذا رجعنا إلى سعيد يقطين نجد أنه يتبنى موقف “تودوروف” الذي يعرف الصيغة على الشكل التالي: الصيغة هي: ” الطريقة التي بواسطتها يقدم لنا الراوي القصة”()، ومن هنا فإن القصة/الحدث المحكي يقدم بطريقتين: طريقة السرد وطريقة العرض.
1- صيغ السرد:
1.1- صيغة الخطاب المسرود: يندمج فيم المتكلم/السارد مع لحظة الحكي، دون نظر إلى الماضي.
2.1- صيغة المسرود الذاتي: يحكي السارد أحداثا وقعت في الماضي دون أن يمتزج بها، هنا الذات لا تتوحد بالحدث.
2- صيغ العرض:
1.2- صيغة الخطاب المعروض: يتحدث السارد مباشرة إلى متلق مباشر دون تدخل الراوي.
2.2- صيغة المعروض غير المباشر: نفس الحالة المتقدمة مع فارق يتمثل في أن الراوي يتدخل بتعليقات توجه السرد في اتجاه معين.
3.2- صيغة المعروض الذاتي: الحالة التي يتحدث فيها السارد مباشرة إلى نفسه عن حدث يجري في لحظة إنجاز الكلام.
لكن يلاحظ يقطين أن هذه الصيغ التي اقترحها لا يمكنها أن تكون جامعة مانعة لمختلف أنواع الخطابات السردية فيدخل مجموعة أخرى من الصيغ يطلق عليها الصيغ المنقولة أو صيغ النقل، تحدث هذه الحالة عندما يتم الحكي عن طريق آخر غير السارد كأن يتحدث البطل من خلال ما سمعه من السارد الأصل، فيصل الحدث إلى المتلقي عن طريق الواسطة.
3- صيغ النقل:
1.3- صيغة المنقول المباشر: نقل الحدث عن طريق الواسطة بحرفيته دون تدخل بزيادة ولا نقصان.
2.3- صيغة المنقول غير المباشر: نقل الحدث عن طريق الواسطة لكن يتدخل الناقل في الحدث بالنقص أو بالزيادة.
ما يلاحظ على هذا النموذج أنه يفصل بين السرد والعرض، وقد رأينا سابقا في الفقرات المتقدمة صعوبة الفصل إن لم نقل استحالتها في كثير من النصوص السردية، إذ العرض والسرد عمليتان تتمان معا في وقت واحد وقد تتخذ بعدا جماليا بحيث إذا تم إلغاء عنصر منهما فسد العنصر الآخر كما يحدث مثلا في العروض السردية المسرحية.
3- الرؤية باعتبارها وجهة نظر:
لتحديد مفهوم الرؤية انطلق “تودوروف” من مفهوم “الجهة”(aspect )، على أساس أن الرؤية هي ” الطريقة التي بواسطتها تدرك القصة عن طريق الراوي، وذلك في علاقته بالمتلقي”()، وهكذا يحدد تودوروف “الرؤية” من خلال علاقة الحدث بالراوي:
1- الرؤية من الخلف: الراوي يعرف كل شيء عن الحكي وعن الشخصيات.
2- الرؤية مع/ أو الرؤية المرافقة: حالة تساوي المعرفة فالراوي لا يعرف أكثر مما تعرف باقي الشخصيات.
3- الرؤية من الخارج: معرفة الراوي أقل من معرفة الشخصيات.
واضح من خلال هذه النمذجة أن تودوروف يسعى للتبسيط أكثر مما يحتمله الجانب التطبيقي، ذلك أننا على مستوى التطبيق نجد أنفسنا مدفوعين للتعامل مع وجهة النظر في تعقيدها بشكل مختلف، ذلك “أن المسألة تتخذ على المستوى العملي التطبيقي، مظهرا آخر مغايرا، وأكثر تعقيدا، مما ستبدو عليه في المستوى النظري الذي يسعى دائما ليكون واضحا وبسيطا، لأمن التجربة الروائية علمتنا ذالك، فليس هناك نماذج لوجهات نظر مرسومة على أساس شكل واحد، ومدعمة بانسجام محض، ولكن لنتجنب أن ننساق بعيدا يجب علينا أن نتصرف هنا بالطريقة الأكثر تبسيطية”()
أما في ما يتعلق بِـ”جيرار جنيت” فقد استبعد مفهوم “الرؤية” لطابعها البصري وعوضها بمفهوم البؤرة()، وهكذا نجده يميز بين ثلاثة أنواع من التبئير تبعا لعلاقة السارد بالحدث وهي:
1- محكي ذو تبئير داخلي ثابت: (récit à focalisation interne fixe )، وخاصيته أن الراوي يعرف كل شيء- كما رأينا مع تودوروف- عن شخصياته.
2- محكي ذو تبئير داخلي متنوع:(récit à focalisation interne variable )، يبدأ السرد مُبَأَّرا على شخصية محددة ثم ينتقل إلى شخصية أخرى ليعود في آخر المطاف إلى الشخصية التي ابتدأ منها.
3- محكي ذو تبئير داخلي متعدد:(récit à focalisation interne multiple )، يتم فيه عرض الحدث الواحد مرات عديدة من وجهات نظر شخصيات متعددة ومختلفة ().
إذا تأملنا ما قام به كل من “تودوروف” و”جنيت” نستنتج أنهما يصدران عن وجهة نظر واحدة وإن اختلفت مصطلحاتهم، فما قام به “جنيت” لا يعدو أن يكون ترجمة أمينة لما قام به “تودوروف”.
يميز سعيد يقطين في الرؤية بين ” الصوت” و”الشكل”، بحيث يقسم الشكل إلى قسمين تبعا لوضعيته: براني الحكي وجواني الحكي، في حين يقسم الصوت إلى عناصر أربعة هي: الرؤية السردية وخارج الحكي وداخل الحكي وذاتي الحكي، وهكذا نجد أنفسنا أمام علاقات متشابكة بين الصوت والشكل نلخصها في المعادلات التالية:
عندما يقترن الصوت بالشكل يتخذ إحدى العلاقات السردية التالية:
1- الصوت رؤية سردية ïبراني خارجي،براني داخلي جواني داخلي، جواني ذاتي.
2- الصوت خارج الحكي ï ناظم خارجي.
3- الصوت داخل الحكي ï ناظم داخلي، فاعل داخلي.
4- الصوت ذاتي الحكي: ï فاعل ذاتي.
من خلال المعادلات السابقة يمكن الحديث ببساطة عن رؤية برانية خارجية وهي تقابل عند “جنيت” التبئير الصفر.ورؤية برانية داخلية تقابل عند “جنيت” التبئير الخارجي، ورؤية جوانية داخلية وذاتية تقابلان عند “جنيت” التبئير الداخلي.() وهكذا نستنتج أن موقف سعيد يقطين لم يأت بالجديد في، بل أكثر من ذلك قام بتعقيد مفهوم الرؤية بإدخال تفريعات وقيود قد تحتاج إلى تطبيقات من النصوص الروائية لإثبات مدى صلابتها النظرية.
l – الاتجــاه النفعي، أو المدرسة الأنجلو-أمريكية.
لن نقف طويلا عند المدرسة الأمريكية رغم تنوع جهازها النظري والمفاهيمي حول نظرية السرد لسبب بسيط في نظرنا وهو أن النقد الروائي المغربي لم يستفد كثيرا من إنجازاتها، بل اتجه فقط- كما بينا- إلى المدرسة الشكلية والمدرسة الشعرية، ولذلك على موقفين لكل من “شولتز”و”برينس” لأن هذين الموقفين يشبهان إلى حد بعيد موقف “جنيت”و”تودوروف”من الخطاب الروائي، يميز “شولتز” في النص الروائي بين القصة والحبكة, وهو نفس التقسيم ونفس العقلية التي رأيناها عند جنيت على وجه الخصوص، فهو يعتبر القصة مفهوما عاما تشمل الشخصيات والأحداث، في حين ليست الحبكة الروائية سوى مفهوم خاص تتصل بالأحداث فقط دون الشخصيات، بمعنى أن القصة عالم مغلق يحتوي الحبكة.وبناء على هذا التقسيم فإن ما يحكم عالم القصة لا يتجاوز إنجازية اللغة باعتبارها المكون الوحيد على تنظيم عنصر السرد، ومن هنا نفهم النظرة الأمريكية التي تنظر إلى اللغة بوظيفتها، نستحضر هنا على سبيل المثال موقف تشومسكي من اللغة، وهي نظرة لا تعترف بالدور المحايد للقص ولا للغة، ولذلك يتوجس الأمريكيون والبريطانيون عادة من الأفكار الفرنسية خاصة في المجال النظري، ويعتبرونها غير عملية. فالتقسيم الذي قدمه “شولتز” يخدم هذا الاتجاه، فعالم القصة/الحكي هي عالم الشخصية المتفردة بأسلوبها وتقنياتها، في حين ترتبط الحبكة بالحدث، والحدث نفسه غير مهم إذا فصل عن المركز/ الذات أو الشخصية وهو الأمر الذي جعلنا نَسِمُ الاتجاه الأمريكي بالنفعي.
أما “جيرالد برينس”، فيميز بين مستويين في كل عمل حكائي مكتوب يتشكل من علامات الحكي أو السرد: مستوى الخطاب، ويتضمن مستويات سفلى هي الراوي والمروي له والسرد، ومستوى المسرود أو المحكي،ويضم الشخصيات والفضاء.
ما يلاحظ على هذا الموقف أنه يميز في العمق بين مستويين سرديين – وهذا الأمر لم يعره الفرنسيون كبير اهتمام- مستوى النص الشفوي ومستوى النص المكتوب، ذلك أن النص السردي الشفوي قد يفقد مع مرور الأيام وكثرة الوسائط قيمته السردية ويصبح فاقدا للمعنى بتحوله إلى نصوص أخرى عن طريق عمليات التحوير والمسخ التي يتعرض لها باستمرار ().
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص90.
– سعيد يقطين : تحليل الخطاب الروائي، ص176.
– G. Genette : Figures III , coll. Poétique, seuil,1972 P74. فهو يقول بالحرف
((Je prendrai comme point de départ la division avancée en 1966 par Tzvetan Todorov. Cette division classait les problèmes du récit en trois catégories : celle du temps, ((ou s’exprime le rapport entre le temps de l’histoire et celui du discours)) ;celle de l’aspect, (( ou la manière dont l’histoire est perçue par le narrateur));celle du mode,c’est à dire(( le type de discours utilisé par le narrateur)))).
يفهم من كلامه أن الصيغة لا ينظر إليها منفصلة عن باقي العناصر السردية: الجهة والزمن، فهي تكون مع هذه العناصر بنية، وأن أي عزل لهذا العنصر عن باقي العناصر ليس سوى تكسير للسرد نفسه، يؤكد هذا الكلام ما صرح به جنيت في المرجع أعلاه ص 71.
– يقصد جنيت أن هذه الصيغ تحول الوقائع التاريخية/الملحمية/الواقعية إلى تخييل وبالتالي فإن ما قام به أفلاطون هو إعطاء التاريخ بعدا تخييليا، وقد رجعنا إلى تتبع جزء من نصوص الإلياذة ومحاورات أفلاطون فتبين لنا صحة هذه المقارنة، انظر على سبيل المثال:
د.أحمد عثمان: الشعر الإغريقي تراثا إنسانيا وعالميا، سلسلة عالم المعرفة ماي 1974.المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.الفصل الخامس ص ص148- 204.
أفلاطون(؟):جمهورية أفلاطون، ترجمة حنا خباز، دار القلم- بيروت ط2/1980،الصفحات: 69-72-49.
– نعتقد أن هناك خطأ مطبعيا في كتابة الكلمة بهذا الشكل، فهذه الكلمة لا توجد في كل القواميس المتخصصة التي رجعنا إليها، ونعتقد أن الصواب هو أن تكتب بهذا الشكل”Polymodalité ” وتعنى الصيغ المتعددة، وهي تحيل في وظيفتها إلى الصيغ النحوية الألمانية: (Nominativ-Akkusativ-Dativ-Genitiv ) .
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص179.
– سعيد يقطين: نفسه، ص184.
99 – نعتقد أن موقف “جنيت” استوحاه من تمييز تودوروف بين الأشكال التعبيرية السردية(الخطية) والأشكال الشفوية، فأغلب الأشكال الخطية تعتمد السرد في حين تعتمد أغلب الأشكال الشفوية العرض، كما نشير إلى أن هذا التمييز لا يصف كل الأشكال السردية لأن العرض والسرد يتداخلان في كثير من الأحيان فلا نستطيع أن نميز الأشكال السردية انطلاقا من هذا المعيار وحده.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص196.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص 293.
– د.بوطيب عبد العالي: (مفهوم الرؤية السردية في الخطاب الروائي آراء وتحاليل)، عالم الفكر ع4/1993 ص40.
– ونحن نرى أن مفهوم البؤرة أيضا مفهوم بصري، فعمل جنيت لا يتعدى تغيير مفهوم بمفهوم. بل يمكن أن يقال بأن الرؤية مفهوم إيديولوجي غالبا ما يرتبط بالموقف السياسي أو الحزبي في حين مفهوم البؤرة مفهوم علمي/ فيزيائي ، ولذلك يفضله جنيت رغم أنه لم يصرح بما أشرنا إليه.
– انظر، بوطيب عبد العالي: مرجع سابق،ص ص 43- 44.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص 311.
– سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، ص37.
الفصل الثالث
الجهاز المفاهيمي عند سعيد يقطين
تقديم :
لنا رغبة شديدة في تحديد الجهاز المفاهيمي الذي اشتغل عليه/به سعيد يقطين، لوعينا التام بكون الجهاز المفاهيمي يعطينا صورة واضحة عن اشتغال العقل النقدي، ويدشن بالتالي العلاقة بين المفهوم باعتباره لفظا لغويا معطى، إلى واقع تداولي يرسم حدود اللغة ويبرز قدرتها على النقد والتأويل. للجهاز المفاهيمي سلطة كسلطة اللغة نفسها، فاللغة تمارس السلطة بما تحمله من رموز ودلالات تاريخية أو أسطورية، والجهاز المفاهيمي يمتلك الحق نفسه، لأنه يفرض على اللغة النقدية ممارسة خاصة وطقوسا معينة قد تكون اللغة في غنى عنها لولا ما نحملها أحيانا من مفاهيم مجردة لا تستوعبها، ولنكون أكثر وضوحا: فإن المفهوم النقدي لا يصبح مفهوما بمعنى الكلمة إلا من خلال سياقه النقدي الذي نعتبره متفردا ولا يتكرر بين ناقدين، فمفهوم الأدب على سبيل المثال لا يتحدد من خلال الأعراف اللغوية ولا حتى مما هو رائج الآن من تعاريف جاهزة، وإنما يتحدد من خلال سياق نقدي واضح ومتفق عليه، وإلا فإن المفهوم الذي نصبو للبحث عنه وتحديده ليس في الأخير سوى معنى لغوي من معاني كلمة الأدب، فالسياق النقدي في نظرنا هو المرجع الوحيد لتحديد المفهوم النقدي،وهو وحده الكفيل بإمدادنا بمفهوم يتحقق في الاشتغال النقدي وليس مفهوما عائما لا يوجد إلا في أذهاننا، إن تصورنا للأدب لغويٌّ غالبا ما يحجب عنا المفاهيم العميقة التي تطرحها الكتابات النقدية ،وهذا ما يكرس دلالة واحدة مسطحة للمصطلح النقدي بجعله مفهوما منتهيا، في حين أن أولى خصائص المفهوم أنه غير منته،فهو متطور باستمرار، وإنتاج المفاهيم لا يتوقف، وفي الرواية بوجه خاص ينصب الحديث عن المصطلح وكأنه نهائي الدلالة، فيكتفي الناقد في أحسن الأحوال بترجمة للمفاهيم – ترجمة لغوية- لا تتجاوز الجذر اللغوي/الصرفي وفي هذه الحالة فإن قصارى ما يقوم به هو وضع قائمة بالمصطلحات النقدية التي وظفها والمقابلات الفرنسية أو الإنجليزية في بعض الأحيان ويعتقد أنه قد حل مشكلة عويصة تتعلق بالمفاهيم النقدية واشتغالها، وقد يلجأ بعض النقاد المحنكين إلى تجاوز هذه القوائم على أساس أن المفاهيم واضحة لا تحتاج إلى توضيح ,وأن من أراد أن يفهم المادة النقدية فعليه أن يكون متقنا لما يقرأ، وهي في تقديرنا حجة لا يقبلها العقل في ظل الفوضى النقدية والمصطلحية التي نعيشها في كتاباتنا, فوضى لا يمكن التحكم فيها إلا بضبط العقل المنتج للمفاهيم النقدية/الخطاب النقدي، ولذلك نحاول هنا ضبط المفهوم بشكل بسيط لينسجم مع الخطاب النقدي المهيمن، إن تتبع الجهاز المفاهيمي في المتن النقدي الذي ندرسه يروم تحقيق هدفين، فهو من جهة يدرس العقل النقدي المعاصر مشكلا في أصغر وحدة للتفكير النقدي : وهي المفهوم، ومن جهة أخرى نحاول بطريقة لم نصرح بها الإسهام في وضع قواميس متخصصة في الأجناس الأدبية الحديثة في المغرب-، خاصة الأجناس السردية: الرواية والقصة القصيرة.
الجهاز المفاهيمي بهذا التحديد وسيلة عملية للتعرف على الاتجاه العام عند الناقد، فمن خلال شبكة المفاهيم النقدية الموظفة نستطيع تصنيفه في الاتجاه النقدي المهيمن على كتاباته النقدية، وبالتالي حصر الخلفيات النقدية والإيديولوجية التي تتحكم في القراءة النقدية. ونعتقد – استنادا إلى المتن النقدي الذي درسناه- أن سعيد يقطين واع كل الوعي بهذا التوجه، خاصة إذا علمنا أنه يحاول أثناء ممارسته النقدية إخفاء بعض المفاتيح النقدية الأساسية لكل قراءة نقدية، إذ يطغى الاختزال والاختصار وكأن المفاهيم النقدية قابلة للتجزيء .
لقد تتبعنا الجهاز المفاهيمي لسعيد يقطين الأكثر استعمالا، وحاولنا استقراءه من خلال النصوص التي ورد فيها، وكما لا يخفى، فإن الدلالة المفهومية قد لا تكشف عن نفسها بسهولة ويسر، بل في أحيان كثيرة كانت المفاهيم تلتبس، ويختلط بعضها ببعض، ويعارض أولها آخرها، فأثبتنا ما ينبغي إثباته بحرفيته كما ورد، وقومنا ما ينبغي تقويمه من غير تضييع لمعنى، ولا تحريف لمقصد، مستعينين في ذلك بالمراجع التي رجع إليها يقطين نفسه، وكنا في كثير من الأحيان لا نجد المعلومة في ما أثبته في هوامشه رغم رجوعنا إلى الطبعة التي اعتمدها ، وقد أعزينا هذا إما إلى الأخطاء المطبعية تنزيها للناقد عن الكذب والمماطلة، أو إلى عدم التريث والتثبت من المتن الأجنبي .
[ء]
أدبية الأدب :
– الخصائص النوعية التي تجعل من نص لغوي نصا أدبيا، “إن موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب وإنما الأدبية، أي ما يجعل من عمل أدبيا، إن البحث في الخصائص النوعية للجنس الأدبي يفترض بالضرورة التسليم بوجودها القبلي، ولعل هذا ما أكده الشكلانيون الروس من خلال نحتهم لمصطلح ” الملامح الثانوية ” وهي العناصر الصغرى التي تؤسس الجنس الأدبي مثل مقولة الأسلوب والزمن .
– إن مصطلح أدبية الأدب مصطلح لا يؤسس معرفة جديدة بالجنس الروائي، لأن الأدب – بما هو كذلك – يفترض توفر الحد الأدنى من الشروط التجنيسية التي من شأنها أن تنعته بالأدبية، وفي مجال النقد الروائي نقترح مصطلح أدبية الرواية لتمييز الرواية عن باقي الأشكال السردية كالسرد التاريخي والحكايات الشعبية وأشكال القص التي تعمد إلى الحيلة والسحر … ، ومن ثم فإن مفهوم أدبية الأدب – في تقديرنا – مفهوم لا يفيد كثيرا في النقد الروائي.
الارتدادات الروائية:
يستعمل سعيد يقطين هذا المصطلح بمعنى المحمولات السردية فهو يميز في الجانب التركيبي بين نوعين : ما يتعلق بالشعر ” ويتضمن بنيات النص – النظام الفضائي ” ، وما يتعلق بالسرد ” ويتضمن التركيب السردي والتخصيصات ” ومع تتبعنا للمصادر التي استقى منها يقطين هذه المفاهيم، فإننا نصرح أن مفهوم “التخصيصات ” يبقى بالنسبة لنا مفهوما غامضا غارقا في التعميم، فإذا كان يقصد الخصائص النوعية للجنس الأدبي، فإن هذا المفهوم هو نفسه ما عبر عنه سابقا بأدبية الأدب، وإن كان يقصد تخصيص ملفوظ سردي معين بعلاقة لا تتوفر في باقي الملفوظات السردية فإننا نتساءل في هذه الحالة عن المعايير النقدية التي تخصص ملفوظا دون آخر، وهنا سيسقط سعيد يقطين في تناقض صارخ على أساس أن هذا النوع من التخصيصات السردية هي من صميم الدرس البلاغي ،في حين يدعو يقطين إلى البحث عن بلاغة جديدة من داخل النص الروائي، إن ما يقوم به الروائي من الناحية السردية هو تعويض المقولات النحوية /البلاغية بمقولات حكائية . ومن هنا لا مجال للحديث عن تخصيصات بهذا المعنى.
الإرجاع :Analepse
“استرجاع حدث سابق عن الحدث الذي يحكى” من الناحية السردية، فإن ما يقوم به السارد هو تجميد الزمن الحاضر / زمن الحكي والرجوع إلى لحظة زمنية هي في الأصل لا تنسجم مع منطق الحكي بالضوابط والمقاييس التي وضعها السارد الفعلي[ =الكاتب وليس الذي يحكي]، و إلا فإن الأصل في السرد هو الترتيب الزمني؛ والإرجاع لا يكون إلا استجابة لرغبة عارضة يتطلبها منطق الحكي بوجه من الوجوه، وهنا ينبغي التنبيه إلى فرق جوهري بين مفهومين متقاربين: الاسترجاع والإرجاع، وهما مصطلحان يظهر أن سعيد يقطين يستعملهما مترادفين، لكنهما ليسا كذلك: فالاسترجاع يتعلق بلحظة الوعي التي يسترجع فيها السارد الحدث الماضي لغرض يخدم الهدف الأعلى بالنسبة له وهو منطق الحكي كما يتصوره، في هذه الحالة فإن الاسترجاع يخضع لمعايير الحكي ويحلل باعتباره عنصرا ” لغويا ” يندرج في إطار عام هو نحو الرواية، في حين يتعلق الإرجاع بحالة تحدث بدون رغبة السارد يفرضها منطق الشخصيات المرافقة لا منطق الحكي ولا إرادة السارد، ولكي نفهم هذه الظاهرة أكثر فإن لحال الأولى يصنعها السارد لأنه هو الذي يريدها أما في الحالة الثانية فالسارد ليس معنيا البتة بها وإنما يتعامل معها من منطق الآخرين.إن الهدف الأسمى الذي يريد السارد أن يصل إليه من خلال الاسترجاع يتمثل في استعادة لحظة لم تكن لتستجيب لمنطق الحكي، لكنها في لحظة الاسترجاع أصبح لها مكانها الخاص داخل النظام العام للنص الروائي، إن هذه الصيغة المنطقية تدفعنا للتساؤل عن الأسباب التي تعطي للسارد مشروعية الانتقاء والترجيح بين الأحداث؟
إرسالية الحكي:
“العملية الآلية التي يقوم بإنجازها الراوي عن طريق السرد[كفعل] ” ، واضح أنها تعني الملفوظات السردية في شكلها اللغوي /الشفوي .إن الإرسالية تفترض بالضرورة وجود شروط إرسال الخطاب: فإذا قصرنا – كما فعل يقطين- إرسالية الحكي على الملفوظات السردية كإنتاج لأفعال كلامية، فإن ذلك من شأنه أن يضيق دائرة هذه العملية ويقصي أنواعا أخرى من الإرساليات المهمة خاصة تلك الأفعال غير اللغوية والتي يلعب السارد دورا مهما في إنتاجها: فالوصف على سبيل المثال يتميز عن السرد بخصائص نوعية لكنه رغم ذلك فعل كلامي بامتياز: فرواية مدينة الرياح على سبيل المثال لمحمد ولد بنو تمثل نسبة الوصف فيها ما يتجاوز ثلثي حجمها، ومن العبث استبعاد الوصف أثناء دراسة الأفعال الكلامية.
الاستباق: Prolepse
يعرفه يقطين بقوله : “حكي شيء قبل وقوعه ” ، من الناحية المنطقية الصرف ينبغي أن ننتبه إلى أن هذه الصيغة تنبني على مغالطة هي أن قولنا ” حكي شيء ” يفترض أن موضوع الحكي موجود بالفعل أي واقع بالقوة، لكن قوله: ” قبل وقوعه”: تفترض عالمين: عالم الواقع الذي منه نستقي الأحداث[ الشيء المحكي بلغة يقطين] وعالم افتراضي هو عالم الرواية، فالحدث بهذا التحديد هو حادث / موجود في الواقع [معطى خارج النص ] لكن استدعاءه في الرواية هو الذي جعله غائبا أثناء العملية السردية.
الأشكال الأدبية :
يتبنى سعيد يقطين موقف كل من جيرار جنيت وتودوروف: فمن جهة الشكل الأدبي هو الخصائص النوعية للأدب، ومن جهة أخرى هو البحث في خصائص الخطاب الأدبي، فهو يجمع بين عناصر الأدب ومناهج الدراسة الأدبية، لكن من وجهة نظرنا ينبغي أن يبقى التمييز بين الأدب ومناهج الدراسة الأدبية واضحا، فعلى الرغم من أننا نستطيع أن نصنف تودوروف وجيرار جنيت في خانة واحدة من حيث التوجه النقدي إلا أن تودوروف يفهم الخاصية الأدبية خاصية ذاتية تميز الجنس الأدبي، في حين يعتبر جنيت الخاصية الأدبية طارئة على الجنس الأدبي، وبالتالي فإن الجمع بين هذين الموقفين في نظرنا مغالطة لم ينتبه إليها سعيد يقطين رغم فهمه العميق لجنيت على وجه التحديد.
الأشكال الزمنية (الروائية) :
الشكل الزمني عند سعيد يقطين يرادف الصيغة النحوية، فالحدث الروائي لا يخرج عن إحدى الحالات الثلاث: فهو إما ماض أو حاضر أو مستقبل ولا يمكن للحدث أن يتأطر خارج الزمن رغم بعض الأطروحات الجديدة التي تحاول التفلت من قيود الزمن، فالزمن هو العمود الفقري بالنسبة للحدث، وربما يكون هو أهم عنصر من عناصر السرد على أساس أنه ملازم لكل الحالات السردية بدءاً بالذوات والمكان والأفعال، إن التلازم الملحوظ بين الشكل الزمني و الصيغة النحوية كما طرحها سعيد يقطين تثير بعض الإشكالات النقدية على أساس أن الصيغة النحوية هي معطى خارج النص وحضورها بهذا الشكل العميق يجعل الناقد يتساءل عن الإبداع الروائي نفسه، إذ لا يصبح للحدث معنى مستقلا بذاته لأنه ليس إلا صورة مشوهة لمفهوم الصيغة النحوية كما طرحها النحاة القدماء، وعليه يصبح الإبداع هو ملأ للفراغات الصرفية، ونعتقد أن سعيد يقطين قد أحس بأن هذا المفهوم غير واضح بما يكفي في الرواية العربية، على أساس أن النحو العربي يتعامل مع الشكل الزمني بطريقة صورية تراتبية لذلك لجأ إلى اللغة الفرنسية لعلها تسعفه في تأكيد فرضيته، متعاملا مع النص العربي المترجم إلى الفرنسية[ تحليل الخطاب الروائي ص 105– 106]، وفي هذا من المغالطة للمتتبع ما لا يخفى. إن الأشكال الزمنية في الفرنسية لا تفيد في تصور الشكل الزمني في رواية عربية مترجمة، لأن الأصل في الزمن في هذه الحالة ليس إلا ترجمة زمن لا يخرج عن الصيغة التي يطرحها النحو العربي .
الأزمنة التقريرية :
يميز سعيد يقطين– على مستوى الزمن الروائي– بين عالمين متميزين: عالم تقريري وعالم محكي، ففي العالم التقريري يستدعي النص الروائي نوعا من التوتر، في حين يستدعي النص المحكي نوعا من الارتخاء: فالنص ذو الزمن التقريري نص متوتر لأنه يشتغل على الصيغة النحوية، نص غير مكتمل، قد تتداخل فيه الصيغ بشكل يجعلنا غير قادرين على التمييز بين بداية حكي/ حدث ونهايته، وهذا من شأنه أن يخلق للقارئ التوتر المنشود، في حين يتميز النص ذو الزمن الحكائي بانفتاح أكثر لأنه لا يشتغل على الصيغ بقدر ما يشتغل على تقنيات مثل الوصف والتنويع بين مستويات المكان واشتغال الخطاب اللغوي، ورغم أننا حاولنا أن نبين ما يقصده سعيد يقطين بهذا المفهوم فإننا غير مقتنعين بهذا الطرح لأنه بدا لنا غير منسجم مع بعض المفاهيم الروائية التي طرحها يقطين نفسه ، إن التمييز بين زمنين بالشكل الذي شرحناه غير مقنع بالنسبة للمشتغلين بالحقل النقدي : فالتوتر والارتخاء مفهومان عائمان ، مفهومان قد يوجدا معا متجاورين في نص واحدٍ ، إن مفهوم الارتخاء كما وظفه يقطين مأخوذ من الكلمة الفرنسية “détente ” وهي كلمة قد لا تعني شيئا في سياق النقد الروائي؛ قد نترجمها بكلمات أكثر من غموضا وفجاجة مثل: الاستجمام والاستراحة والانبساط وهي هنا تنسجم مع الكلمة التي اقترحها يقطين وهي الارتخاء لكنها في المقابل قد تعني شيئا آخر بعيد كل البعد عن هذه المفاهيم : مفهوم له علاقة بالعنف والتوتر، فهي تطلق على زناد البندقية وبالتالي تختلط المفاهيم التي كانت قبل قليل تبدو منسجمة واضحة, بناء على هذا المعنى فإن مفهوم التوتر ومفهوم الارتخاء مفهومان يمكنهما أن يعنيا شيئا واحدا: التوتر والقلق الذي تخلقه اللغة الروائية وتتفنن في صياغته.
الأنا الشاهد :
يعرفه سعيد يقطين كالتالي:” نجد هذه الوجهة في روايات ضمير المتكلم، حيث الراوي مختلف عن الشخص، وتصل الأحداث إلى المتلقي هنا عبر الراوي، لكنه يراها أيضا من محيط متنوع. “يميز يقطين هنا– وكما هو واضح– بين نوعين من الرواية على الأقل: روايات ذات ضمير متكلم وروايات أخرى نسميها روايات بضمير مختلف، في الرواية الأولى تهيمن الذات المتكلمة على الحكي وتتحكم في سيرورته, فتكون الذات هي الشاهد على الحدث؛ لأن السارد / الذات يمتلك المعرفة الكافية [القدرة بتعبير كريماس] على التحكم في الحدث وتوجيهه بالشكل الذي يريد؛ ينبغي أن ننتبه هنا إلى أن هذا المفهوم – شأنه شأن مفاهيم روائية أخرى– يبقى غامضا، فالأنا في النص السردي لا يظهر دائما بشكل واحد مسطح، وقد يخدعنا هذا المفهوم أحيانا بالسلطة التي يمتلكها فيخلق عوالم توهيمية غارقة في التعميم، حدود الذات في النص الروائي لا تقاس بسلطة المعرفة وإنما تقاس بمدى قدرته على توجيه الأحداث وفعله في بناء النص، ومن وجهة النظر هذه قد تكون سلطة النص اللغوية أقدر من الذوات نفسها على توجيه الفعل السردي .
الأنا المشارك :
يكتب يقطين ما يلي: “الراوي المتكلم هنا شخصية محورية” وينهي الكلام.
هل يعني هذا أن الأنا الشاهد ليس شخصية محورية؟!
لنناقش التعريف من وجهة النظر التالية: نعتبر الأنا الشاهد – كما يوحي كلام يقطين وإن كان غير واضح- بأن الأنا الشاهد شخصية غير محورية قياسا إلى نسبة الحضور والغياب، معنى هذا الكلام منطقيا أن الأنا المشارك أكثر حضورا من الأنا الشاهد، وعليه كيف يعقل لشخصية لها نسبة حضور ضعيفة في النص أن تفرض سلطتها على شخصية أخرى أكثر منها من حيث الحضور، ما هو واضح ومنطقي أن العكس هو الصواب، فالأنا المشارك في هذه الحالة يمتلك السلطة الأكثر فاعلية في النص السردي من حيث توجيه الحدث .
إن المقصود بالأنا المشارك ليس الراوي المتكلم أو غير المتكلم ،بل يقصد به بكل بساطة : الشخصية التي تنفذ “الأمر” تحت وصاية الأنا الشاهد ، وسلطة الأنا المشارك لا تتجاوز إطار إبداء الرأي .
[ب]
البؤرة :
لتحديد مفهوم البؤرة انطلق سعيد يقطين من رصد العلاقة بين الراوي والقصة، فميز بين شكلين سرديين :
الشكل السردي الأول: يكون فيه الراوي غير مشارك في القصة، وقد أسماه يقطين بِـ [ براني الحكي].
الشكل السردي الثاني: يكون فيه الراوي مشاركا في القصة، وقد أسماه بِـ [ جواني الحكي].
تبعا لهذا التقسيم يستنتج سعيد يقطين أن الشكلين السرديين السابقين يتشكلان عبر تجليات الراوي في علاقته بالقصة، ومنه فإن الراوي لا يخرج عن إحدى حالتين: إما أن يوجد داخل الحكي أو خارجه. فعندما يكون الراوي خارج الحكي [براني الحكي] يتخذ صورتين: فهو إما يحكي القصة غير مشارك فيها أي من الخارج ويسميه يقطين بالناظم الخارجي، وإما يوجد داخل الحكي حين يحكي القصة غير مشارك ولكن من خلال شخصية تظل بينه وبينها مسافة معينة ويسميه بالناظم الداخلي.والحالة الثانية: الجواني الحكي يتخذ فيها الراوي أيضا شكلين: داخل الحكي إذ تمارس الشخصيات فيه فعل الحكي مباشرة يسميه سعيد يقطين بالفاعل الداخلي والشكل الآخر هو الحكي الذاتي عندما تمارس الحكي شخصية مركزية ويسميها بالفاعل الذاتي.
ومن هنا يستنتج يقطين مفهوم البؤرة كما يتصوره، فعلاقة الذات بالقصة / الحكي لا تخرج على أربع حالات:
1- رؤية برانية خارجية يقابلها عند جنيت التبئير ذو الدرجة الصفر.
2- رؤية برانية داخلية يقابلها عند جنيت التبئير الخارجي.
3- رؤية جوانية داخلية.
4- رؤية جوانية ذاتية.
والمفهومان الأخيران – كما يصرح بذلك يقطين- يقابلان معا مفهوم التبئير الداخلي عند جنيت.
يظهر من خلال تحديد مفهوم البؤرة أن سعيد يقطين لم يستطع أن يكون مفهوما جديدا، فغاية ما قام به هو تغيير المصطلحات بمصطلحات أخرى أكثر غموضا وضبابية مثل توظيفه لمصطلحي الجواني والبراني وهي في الأصل مصطلحات صوفية غنوصية، فما الفائدة النقدية المتوخاة من كل هذه المشقات والأتعاب إذا كان غاية ما يقوم به الناقد هو استبدال لفظة بلفظة و مصطلح بآخر، ولعل هذا واضح عندما يصرح يقطين نفسه بأن الرؤية البرانية الخارجية تقابل التبئير الصفر والرؤية البرانية الداخلية تقابل التبئير الخارجي وهكذا دواليك…فإذا كان قصارى ما يقوم به الناقد هو النقل والتعقيد فمن الأفضل له وللنقد أن يتبنى موقف جرار جنيت ويصرح به، وليس في ذلك من العيب ما يشينه أو يبخس حقه ويكون بذلك قد أراحنا وأراح النقد من ويلات التعقيد والغموض الذي لا فائدة ترجى منه.
[ت]
تخطيب الزمن :
يقصد يقطين بهذا المفهوم علاقة الزمن كمكون سردي بالخطاب كفعل للاشتغال.(انظر التمفصلات الزمنية).
التخييل الحكائي :
“فعل إنتاج الدلالة السردية”، يقوم على الجوانب التالية:
– الأحداث.
– التمثيل اللفظي.
– الفعل القولي أو الكتابي.
الترابط :
جملة من العلاقات التركيبية التي تنتظم في نطاقها المقاطع السردية والمواقع الزمنية أي: مختلف العلاقات التركيبية بين وحدة وأخرى، رغم ما يميز كل واحدة عن الأخرى، وهذه العلاقة علاقة ربط بحيث لا نحس أي فاصل بينهما، ويلعب هذا الترابط زمنيا دورا كبيرا في لحمة عناصر الخطاب.
التصفيح :
توزع المؤشرات الزمنية/المكانية… حسب صفحات الرواية، ومن الضروري هنا مطابقتهما معا على مستوى الحقب المحكية من جهة والصفحات المطابقة لسردها من جهة أخرى.
التضمين :
عندما تستوعب القصة الأصل قصصا فرعية تحكى عنها، كما نعاين ذلك في “ألف ليلة و ليلة”.
التعالق :
العلاقة الافتراضية التي تتم بواسطة الفعالية التلفظية بين مجموعة من الملفوظات، وهذه الملفوظات لا يجب اعتبارها منتهية سلفا وأن علينا أن نربط بينها وذلك انطلاقا من أن أي ملفوظ لا يمكن أن يكون منعزلا عن غيره. والتعالق بهذا المفهوم هو عملية مستمرة يجري في الزمن بشكل موجه، وهذا الطابع الموجه ينعكس داخل الخطاب كتتابع تحويلات تتيح الانتقال من حالة إلى أخرى…
التقطيع الصيغي :
يتجلى هذا التقطيع في كون الخطاب السردي يقوم على تقطيع شذرات سردية يصعب لحمها إلا في إطار كلية الخطاب، أو من خلال القراءة المتأنية التي تضع كل تقطيع خطابي في إطار الكل.
التلخيص الأقل حكائية :
“التلخيص الذي يقدم لنا حدثا كلاميا، لكن بدون مؤشرات الكلام”.
التلخيص الحكائي :
هو فعل الكلام الذي يقدم بدون أي تدقيق أو تخصيص لما قيل أو كيف قيل.
التلوين الصيغي:
الانتقال من صيغة إلى أخرى ضمن صيغة أصل،كالانتقال من مشهد إلى آخر…
التمفصلات الزمنية :
مستوى ما يأخذه الزمن من علاقات بين القصة والخطاب على مستوى عام، وهذا يشترط تحليلا خاصا لكل المقاطع السردية التي يستوعبها الخطاب.
التناوب :
يقصد به حكي قصتين معا في آن واحد.
التوازي:
الانتظام الحاصل بين متتاليات الجملة الروائية /السردية (أجزاء النص، المورفيمات …) حسب الترابطات الجامعة في ما بينها إذ يضبط التوازي بنية النص وذلك عن طريق تشكيل طبقات التوازي الحاصلة في لوحة ذات محورين أفقي وعمودي: تظهر في المحور الأول العلاقات بين طبقات التوازي داخل كل جملة في النص، أما في المحور الثاني العمودي فإننا نجد تتابع الجمل حسب ترتيبها كما هي عليه في النص.
[ج]
الجملة الروائية :
تحدد اللسانيات مفهوم الجملة على الشكل التالي:” الجملة باعتبارها أكبر وحدة قابلة للوصف النحوي” هذا التعريف يجرنا إلى البحث في العلاقة بين الجملة النحوية والجملة السردية/ الروائية، على هذا الأساس تصبح الجملة السردية ليست سوى صدى للنحو من بابه الواسع ومنه نستنتج التعريف التالي والذي لا نعتبره سوى تعريف مسطح: الجملة السردية هي أكبر وحدة قابلة للوصف السردي…، هذا التعريف ينطوي على مغالطة كبيرة وهي كون الجملة النحوية هي المعيار الذي نقيس من خلاله المكون السردي، في حين أن ما ندعو إليه – ويشاركنا فيه أغلب نقاد الرواية- هو ضرورة التمييز بين النحو كمنطق للغة وبين نحو مختلف كل الاختلاف هو نحو الرواية، فنحن نشعر أن المشكلة الأجناسية نفسها لا تحل إلا على هذا الأساس فللشعر على سبيل التمثيل نحو خاص وللقصة القصيرة نحوها الخاص وهكذا، ومن هنا فإن النقد الذي قدمه يقطين في ما يتعلق بالجملة الروائية ينبغي النظر إليه من وجهة النظر هذه.
جنس أدبي :
يوظف سعيد يقطين مفهوم الجنس الأدبي بمعان مختلفة: فهو تارة يعني النوع الأدبي كالقصة والرواية والشعر…وهو تارة يطلق على الخطاب نفسه، ولعل في التعريف الثاني ما يحيل إلى رأي تودوروف في الجنس الأدبي، فهو عنده يقوم على المزج بين المفهومين: فالجنس في عمقه المعرفي خطاب: خطاب الشعر وخطاب الرواية…
في نظرنا ينبغي التمييز بين هذين المفهومين فالجنس يطلق على ميثاق القراءة: الرواية، القصة القصيرة، المسرحية… في حين يطلق الخطاب على الطريقة التي تقدم بها مادة الحكي في الرواية، وعلى الطريقة التي تقدم بها مادة الشعر في الشعر، وهكذا… وليس هناك من يعتقد أن الخطابات ملتبسة ومتداخلة في ما بينها رغم ما قد يلاحظ أحيانا من صعوبة التجنيس.( انظر الخطاب).
[ح]
الحكي :
ينبغي أن أشير قبل تحديد مفهوم الحكي كما يتصوره سعيد يقطين إلى توضيح أن الناقد لم يقدم من خلال كتبه التي نقوم بدراستها أي مفهوم جاهز يمكن اعتماده منطلقا لتحديد المفهوم، وإنما غاية ما هنالك إشارات مختلفة مبثوثة في ثنايا الكتب إلى درجة من الغموض والتناقض في أكثر من مناسبة، فهو تارة لا يميز بين الحكي والسرد و يستعملهما بمعنى واحد، وهو تارة أخرى يتحدث عن السرد ويقصد طريقة عرض الأحداث وهكذا، إلى أن نتوصل إلى التعريف التالي:” يعني السرد التواصل المستمر الذي من خلاله يبدو الحكي كمرسلة (كذا!) يتم إرسالها من مرسل إلى مرسل إليه” من هنا يمكن أن يتوضح لنا أن الحكي هو الملفوظ السردي، أو بتعبير أدق فعل إرسال الحدث إلى المتلقي عبر وسائط سردية قد تكون لغوية أو تقنية.
[خ]
الخصيصات النوعية :
المؤشرات الفرعية التي نستدل من خلالها على الجنس الأدبي أو ماهيته، ويدخل في إطار الخصيصات النوعية العلامات الجنسية: الوزن بالنسبة للشعر مثلا، والحكي بالنسبة للرواية، ويشترط في الخصيصات النوعية أن تكون قابلة للوصف والتعيين، وأن لا تكون مشتركة بين جنسين أدبيين أو أكثر فالإيقاع على سبيل المثال ليس خصيصة نوعية لأنه مشترك بين الشعر وغيره: فقد نجد الإيقاع في الرواية والمسرح والمقالة، لكن الوزن الشعري خصيصة نوعية لأنه خاص بالشعر فلا يمكن أن نجده لا في لا القصة ولا في الرواية ولا في المقالة.
الخطاب :
هو الطريقة التي تقدم بها مادة الحكي وينظر إليها من خلال المقولات التالية: الزمن – الصيغة- الرؤية.ويرى سعيد يقطين أن مفهوم الخطاب في الرواية متطور عن مفهوم الأدبية على أساس أن التحليل مر بعدة تحولات أهمها:
1- مرحلة الأدب.
2- مرحلة الأدبية .
3- مرحلة الخطاب. (انظر الخطاب الروائي).
خطاب الأسلوب غير المباشر :
عندما يتحدث “البطل” بشكل غير مباشر لسبب قاهر كالظروف الاجتماعية أو العنف السياسي (…) يعلق يقطين على هذا النوع من الخطاب قائلا:” هذا الشكل هو أكثر محاكاة من الخطاب المسرود، لأنه لا يمكن أن يعطي أي ضمانة، أو أي إحساس بالأمانة اللفظية لأقوال« الحقيقة »المفوه بها.
الخطاب الروائي :
نحو الرواية : المظاهر اللغوية والتقنية التي تميز الرواية كجنس أدبس عن مختلف الأجناس الأدبية الأخرى، ونلفت الانتباه إلى أن الخطاب الروائي – شأنه في ذلك شأن مختلف أنواع الخطابات الأخرى- لا يمكن تحديده بشكل نهائي ما دام هناك أنواع متداخلة من الخطاب، إن غاية ما يطمح إليه الناقد الروائي هو تمييز العناصر الأكثر التصاقا بالرواية أو الأقل حضورا في الأجناس الأخرى خاصة الشعر، وهنا نتحدث عن الخطاب الشعري كخطاب مواز على أساس التمايز الواضح بين الرواية والشعر، هذا التمايز قد لا نجده إذا ما قارنا على سبيل المثال بين الرواية والمسرحية أو بين الرواية والقصة القصيرة.
إن ما اقترحه تودوروف من ضرورة إقحام المفهوم الجنسي في تعريف الخطاب ضروري على أساس أن ” هناك علاقات بين الخطابات سواء كانت أدبين أو غير أدبية”.
الخطاب المباشر :
يسميه سعيد يقطين أيضا بالخطاب المنقول لكونه يعمد إلى نقل الوقائع مباشرة من المحيط، وقد رفض أفلاطون هذا النوع من الخطاب لأنه لا يترك للشخصيات المبادرة بالكلام ولعل المثال التالي يقدم يوضح المفهوم:” قلت لأمي: يجب مطلقا أن أتزوج من […] “.
الخطاب المباشر الحر :
يوظف هذا النوع من الخطاب ضمير المتكلم في المونولوج الداخلي.
الخطاب المسرود :
حكي أفكار أو خطاب داخلي مسرود.
الخطاب المنقول :
(انظر الخطاب المباشر).
الخطاب غير المباشر :
هو الخطاب الذي يتضمن مضمون حدث كلامي لكنه يقدمه بأسلوب مغاير للأسلوب الأصل الذي أنجز به الكلام.
الخطاب غير المباشر الحر :
هو الخطاب الذي يقع بين الخطابين:المباشر وغير المباشر.
الخطاب غير المباشر ذو الطبيعة المحاكاتية :
يختلف عن الخطاب غير المباشر في كونه يخلق لدينا وهم الحفاظ على مظاهر أسلوب الكلام الأصل، لكنه يقدم ذلك بشكل غير مباشر.
[د]
الدليل السردي :
هذا المفهوم نحتته جماعة لييج، ويقصدون به العلامة السردية أو الحكائية […] والعلامة الحكائية تتشكل من خلال علاقة الحكي السارد بالحكي المسرود.
ر]
الرؤية :
زاوية النظر التي ننظر من خلالها إلى علاقة الراوي بالقصة/الحكي وهي عند يقطين لا تخرج عن أربع حالات:
1- الرؤية البرانية الخارجية.
2- الرؤية البرانية الداخلية.
3- الرؤية الجوانية الداخلية.
4- الرؤية الجوانية الذاتية.
(انظر البؤرة).
رواية الزمن :
يطلق سعيد يقطين هذا المفهوم على الروايات التي تعتمد عنصر الزمن بشكل واضح كشكل يسيطر على النص المحكي/ المسرود ، ويمثل لذلك برواية «بحثا من الزمن المفقود» لمارسيل بروست ورواية «الجبل السحري» لتوماس مان، وأغلب أعمال الروائي ميشيل بوتور.
[ز]
الزمن :
يبدو لنا أن سعيد يقطين يلتوي في خطابه عندما فرض عليه أن يقدم مفهوما واضحا لمقولة الزمن، ففي الفصل المعنون بالزمن في الخطاب حاول أن يقدم للقارئ كل ما قيل في مقولة الزمن ابتداء من النحو التقليدي وصولا إلى أحدث النظريات اللغوية والفلسفية المتعلقة بهذه المقولة، وهذا الجهد في نظرنا يشتت ذهن القارئ ولا يخدم القضية النقدية التي يحللها، فيقطين يبحث – كما هو واضح من خلال مشروعه النقدي – في الزمن الروائي/السردي، ومن هنا فإن التوسع في الأبعاد الفلسفية رغم أهميتها لا يفيد في شيء، وللمتتبع إن أرادها أن يبحث عنها في مضانها، لقد عرض سعيد يقطين كل النظريات التي تركز على المفهوم، وفي آخر المطاف لم يقدم تعريفا، ونحن نستشعر الصعوبة التي وجدها يقطين في تحديد المفهوم إلى درجة أنه لم يستطع أن يتبنى تعريفا محددا.
من خلال ما قدمه من وجهات نظر يمكن أن نقدم تعريفا بسيطا :
الزمن هو الحيز الذهني المرتبط بالحدث والذي يتشكل عبر أبنية الفعل النحوي/اللغوي ويعكس حالة قابلة للوصف والملاحظة، ونقسمه إلى قسمين كبيرين:
الزمن العام: الأيام، الشهور، أوقات الصوم، مواعيد الدرس…
الزمن السيكولوجي: يضم الأحاسيس والمشاعر…
إننا ندرك بكل وعي أن هذا التعريف يثير العديد من المناقشات لأنه من جهة لا يغطي جميع الأزمنة، ومن جهة أخرى يقصي أشكالا تعبيرية لا يمكن تجاهلها في سياق الدرس النقدي للرواية، ولكن مع ذلك فإننا نعتبر أن تقديم تعريف عملي مساعد أفضل من التهرب وراء النظريات وكثرة الكلام دون مبرر وهو ما يشفع لنا.
زمن السرد :
يظهر في تتابع الجمل السردية/الروائية التي تبدو متماثلة مع زمن الحدث المحكي.
زمن السرد = ج س1 + ج س2+ ج س3 +ج س3+……………………..+ج س ن.
حيث [ج س] تعني الجملة السردية.
زمن المبنى الحكائي :
يتضمن أفعال الشخصيات بشكل متسلسل.للمقارنة بين هذا المفهوم ومفهوم زمن السرد يمكن أن نقول إن الوحدة الصغرى في زمن السرد هي الجملة السردية، في حين في زمن المبنى الحكائي يمثل الفعل/الحدث الوحدة الصغرى , ومن ثم فإن العلاقة بين الزمن السردي وزمن المبنى الحكائي هي علاقة عام بخاص, وهكذا يمكن أن نصوغ التعريف بالشكل التالي:
زمن المبنى الحكائي= ف ش1+ف ش2+ف ش3+……………..ف ش ن.
بحيث [ف ش] يعني فعل الشخصية.
ونشير هنا إلى أن الجملة السردية قد تحتوي على أكثر من فعل سردي واحد.
[س]
السرد :
يعرفه بالشكل التالي:” السرد هو الخطاب اللفظي الذي يخبرنا عن هذا العالم وهو يسمى أحيانا بالتلفظ […] وأحدد سردية الخطاب الحكائي كلما كانت صيغة السرد مهيمنة، وكلما كانت العلاقة بين التقرير والحكي تتم من خلال هيمنة الحكي, بهذا المقياس يمكنني استبعاد الخطاب التاريخي الذي نجد فيه حكيا وسردا وأخيرا قصدية الكاتب”.
السعة :
المسافة الزمنية التي تفصل بين فترة في القصة يتوقف فيها الحكي, وفترة في القصة يبدأ فيها الحكي المفارق، ويمكن للمفارقة أن تغطي مدة طويلة أو قصيرة من القصة.
السيكو – سردي :
يعني تحليل أفكار الشخصيات التي يتكلف بها الراوي مباشرة.
[ش]
شذرات سردية :
مؤشرات نصية /لغوية أو نفسية نقيم بواسطتها عالما سرديا، إن جمع هذه المؤشرات /الشذرات يمكننا من الفعل السردي على أساس أن السرد في جوهره هو تجميع للأفعال السردية.
[ص]
الصوت الروائي :
هو الخاصية النوعية التي تميز شخصية عن أخرى في المتن الروائي، وهذه الخاصية قد تعتمد اللغة ومستويات الخطاب, وقد تعنى بردود الأفعال أو إنتاج الفعل الروائي.
الصيغة :
يميز يقطين في الرواية بين صيغة الفعل الروائي وهو ما يتعلق بالأبنية: الماضي والحاضر والمستقبل وبين الصيغة المتعلقة بالجملة السردية(انظر الجملة الروائية).
صيغة الخطاب المسرود :
” الخطاب الذي يرسله المتكلم وهو على مسافة مما يقوله, ويتحدث إلى مروى له سواء كان هذا المتلقي مباشرا (شخصية) أو إلى المروي له في الخطاب الروائي بكامله.”
صيغة الخطاب المعروض :
” هي التي نجد فيها المتكلم يتكلم مباشرة إلى متلق مباشر، ويتبادلان الكلام بينهما دون تدخل الراوي .”.
صيغة المسرود الذاتي :
” تظهر في الخطاب الذي يتحدث فيه المتكلم الآن عن ذاته وإليها عن أشياء تمت في الماضي، أي أن هناك مسافة بينه وبين ما يتحدث عنه، وهي تقابل عند جنيت( transposé )، ويمكن أن ندخل فيها التذكر وما يتصل بالاسترجاعات الماضية.”
صيغة المعروض الذاتي :
” وهي نظير صيغة الخطاب المسرود الذاتي، إلا أن هناك فروقات بينهما تتم على صعيد الزمن، فإذا كنا في المسرود الذاتي أمام متكلم يحاور ذاته عن أشياء تمت في الماضي، فإننا هنا نجده يتحدث إلى ذاته عن فعل يعيشه وقت إنجاز الكلام.”
صيغة المعروض غير المباشر :
“وهو أقل مباشرة من المعروض المباشر،لأننا نجد فيه مصاحبات الخطاب المعروض(para-discours ) التي تظهر لنا من خلال تدخلات الراوي قبل العرض أو خلاله أو بعده، وفيه نجد المتكلم يتحدث إلى آخر، والراوي من خلال تدخلاته يؤشر للمتلقي غير المباشر.”
صيغة المنقول غير المباشر :
” مثله مثل المنقول المباشر مع فارق وهو كون الناقل هنا لا يحتفظ بالكلام الأصل، ولمنه يقدمه بشكل الخطاب المسرود “
صيغة المنقول المباشر :
” فيه نجدنا أمام معروض مباشر ، لكن يقوم بنقله متكلم غير المتكلم الأصل، وهو ينقله كما هو، وقد يقوم بنقله إلى متلق مباشر (مخاطب) أو غير مباشر.”.
[ع]
العرض :
تمثيل حدث سردي على الخشبة المسرحية، يمثل مفهوم العرض الفرق الأساسي بين الحدث الروائي والحدث المسرحي : فالحدث الروائي يسرد/ يحكى ،في حين يتميز الحدث المسرحي بكونه يعرض.
العلامة السردية :
(انظر الدليل السردي)
عنصر حكائي :
يقصد سعيد يقطين بالعنصر الحكائي البنيات السردية الصغرى مثل الزمن والمكان والصيغة والوصف… و لا يشترط في هذه العناصر أن تكون واضحة في المتن الروائي، بل يكفي أن يدل عليها مؤشر من المؤشرات.( انظر الدليل السردي- العلامة السردية).